أما العلماء فعبوديتهم أعظم لله سبحانه؛ لأن الله -جل شأنه- جعلهم شهداء على ألوهيته دون غيرهم، كما قال:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ}[آل عمران:١٨] فجعلهم الله تبارك وتعالى شهداء في أعظم قضية وهي ألوهيته التي شهد بها الله -جل شأنه- ثم ملائكته الذين يسبحون له في الليل والنهار لا يقترون ولا يملون، ثم أولو العلم الذين يقيم الله تعالى بهم الحجة على العالمين.
فعبوديتهم أعظم؛ لأنهم الرقباء على البشر جميعاً؛ لأن العلماء في هذه الأمة هم في مقام الأنبياء في الأمم التي قبلنا، فهم رقباء على شرع الله عز وجل، وعلى أفعال الناس؛ ولهذا تجدون الإمام ابن القيم رحمه الله ألف عن العلماء كتاب (إعلام الموقعين عن رب العالمين)، فهم بمثابة الموقعين عن الله، لأن حكم الله لا نعرفه إلا عن طريق هؤلاء العلماء، فكأنما يوقعون هذا حرام من حرمه؟ الله، هذا حلال من أحله؟ الله، فإذا قال العالم هذا حلال أو هذا حرام فهو يوقع يخبرنا عن الله تبارك وتعالى؛ ومن هنا كانت عبوديتهم أعظم.
وهم يشهدون في الآخرة كما يشهدون في الدنيا، قال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ}[الروم:٥٦] وهذا عندما يقسم المجرمون أنهم ما لبثوا في هذه الدنيا غير ساعة، فمن يشهد يوم القيامة؟ أو من يقيم الحجة على المنكرين؟ إنهم الذين أوتوا العلم والإيمان؛ فالعلماء يشهدون في الدنيا ويشهدون في الآخرة؛ لأن رتبتهم هي رتبة الأنبياء، ومقامهم هو مقام الأنبياء.