إننا نجزم جزماً أنه لو استقامت أمور هذه الأمة، ومؤسساتها الدعوية -ومن أهم ذلك البيت، والمدرسة، والمسجد، ووسائل الإعلام- لو استقامت كما يريد لها الله؛ لغيَّر شباب هذه الأمة وجه الدنيا كلها.
فالآحاد منهم -قلة أو عشرات- نبغوا في علوم لم يكن أحد يتوقع أن ينبغوا فيها، فمن توجه منهم للإنفاق في سبيل الله أتى بالعجائب، ومن توجه للجهاد أتى بالعجائب، ومن توجه للعلم أتى بالعجائب، وهكذا مع كل هذه العقبات.
ولو وُجهت الأمة كلها طاقاتها وقواها وخططها إلى التوجيه الصحيح والسليم، الذي لا يتناقض ولا يضطرب ولا يتعارض، لوجدنا فعلاً أن هذا الشباب سيكون -حتى مع انحرافه- كـ أبي محجن الثقفي؛ وتعلمون قصة أبي محجن في يوم القادسية فـ أبو محجن كان شاباً عابثاً، شرب الخمر، فسجنه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه -وهو قائد الجيش أيام القادسية - في قصره؛ ودارت المعركة التي لم يشهد التاريخ القديم لها نظيراً، فليالي القادسية -الطويلة المشهورة- ما كانت حتى كاليرموك، بل أشد بكثير؛ فـ أبو محجن هذا -وهو الذي سجن لشربه الخمر، وتعلمون أن أسوأ ما يمكن أن يصل إليه الشاب هو أن يشرب الخمر ويتعاطى المخدرات عياذاً بالله- تحسَّر وتقطَّع قلبه أنه لم يكن في الجيش؛ فطرق على امرأة سعد، وصرخ فيها، وعاهدها بالله لئن أعطته فرس سعد رضي الله عنه (البلقاء) وخرج، ليقاتلن ولَيَرَيَنَّ الله تعالى ما يصنع، فإن سَلِمَ ليعودن إليها، وأنه لن يمنعه من العودة إليها إلا أن يُستَشْهَد في سبيل الله؛ فقبلت منه، وأعطته الفرس وخرج.
فعجب المسلمون من هذا الرجل الذي يضرب في الأعداء، فإن أتى على ميمنتهم أخذ فيهم ما أخذ، وإن أتى على ميسرتهم فتك بها، وإن وقف منهم صنديد بوجه المسلمين بطش به، والناس يتعجبون، وسعد يقول:[[والله لولا أنَّ أبا محجن في القيد، لقلت: إنه أبو محجن وأن هذه هي البلقاء]] وكان سعد رضي الله عنه مريضاً، وعندما افترق الصفان، وأظهر الله تعالى المسلمين رجع أبو محجن قبلهم، ووضع القيد في يديه، وأرجع البلقاء إلى مكانها؛ فجاء سعد وقال لامرأته: رأيت عجباً! قالت: وما رأيت؟ قال: كذا وكذا، قالت: فإنه أبو محجن، وإنها البلقاء! فنقول: هذا مثال والأمثلة كثيرة جداً، على أنه عندما يعيش الشباب قضيته، ويعيش هموم أمته، ويُوَجَّه التوجيه الصحيح، ويرى المعركة مشتعلة، فوالله سيأتي بالعجائب بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، على ما فيه من تقصير، وعلى ما فيه من معاصي؛ أما أن تتعاون فئات وجبهات كثيرة جداً عليه في حال انحرافه، ثم في حال توبته وهدايته، فلا نتوقع من هذا الشباب إلا أن ينجرف حتى في حال الهداية.
فيؤدي به إلى جنوح بعض الشباب إلى الغلو في الأحكام، والغلو في بعض القضايا، أو جنوحه إلى نوع من تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله، وكلاهما من الغلو المذموم، وإن أي خطأ قد يقع في العقائد أو في السلوك أو في التعامل مع المجتمع، فنحن -بالدرجة الأولى- المسؤولون عنه! نعم نحن قبل كل شيء؛ ثم بعد ذلك نلوم هؤلاء الشباب.
نرجو أن نكون قد وفقنا -بإذن الله تعالى- في إثارة هذه القضية، وأن تكون حاضرة في أذهاننا جميعاً، لنعرف واجبنا نحو إخواننا الشباب، المنحرف منهم والمستقيم، الفاجر والتقي؛ ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يغفر لنا ولكم، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.