للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صور من ضلال اليهود]

عندما نقرأ قصة اليهود تقشعر منها قلوب المؤمنين، فنجد أن الله -تبارك وتعالى- ينجيهم من فرعون وملئه وقومه، ويهيئ لهم طريقاً في البحر يبساً، بعد أن أدركهم العدو، وقالوا: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:٦١] وينجيهم الله تبارك وتعالى ويخرجون إلى البر، ويغرق عدوهم ويهلكه، ماذا قالوا بعد ذلك؟ هل شكروا الله؟ هل استقاموا على دين الله؟ هل اتبعوا رسول الله موسى عليه السلام؟ لا، وجدوا أناساً يعبدون الأصنام، أولئك في مصر يعبدون فرعون، ووجدوا هؤلاء يعبدون أصناماً، فحكى الله عنهم: {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً} [الأعراف:١٣٨].

سبحان الله العظيم! أين نعمة الله؟! وأين توحيده؟! وشكره؟! طلبوا إلهاً كما أن لأولئك آلهة.

ثم يذهب موسى عليه السلام ليتلقى التوراة، ويتلقى الألواح من الله عز وجل، ويغيب عنهم أربعين ليلة، ويأتي وإذا بـ السامري الضال قد ابتدع لهم بدعة، وصرفهم من التوحيد إلى الشرك، هذا السامري قبض قبضةً من أثر الرسول، أي: أخذ قبضة من أثر الرسول، وصنع العجل الذهبي، وقال: هذا إلهكم وإله موسى، وصدقه أكثرهم وآمنوا به وعبدوا العجل، وما يزالون إلى اليوم؛ فرقة من اليهود تسمى - السامرة أو السامريون، سبحان الله العظيم يعبدون العجل! وحدثت لهم الأحداث بعد ذلك؛ فقالوا: أرنا الله جهرة، ثم أعطاهم المن والسلوى، فقالوا: لا نريد المن والسلوى، نريد البقل والقثاء والفول والعدس، وعندما أمرهم الله أن يذبحوا بقرة: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:٦٧] أي: خذوا بقرة واذبحوها، أخذوا يتعنتون ويتشرطون، ثم في الأخير: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:٧١] أخيراً بعد العناد وبعد المشادة ما كادوا يفعلون ذلك.

ولا نريد أن نطيل في الحديث عن هذه الأمة إلا لنأخذ العبرة، إذاً ما هي الصفة التي نلمحها في اليهود؟ أنهم يعصون الله -عز وجل- ويشركون بالله على علم، كما قال علي -رضي الله تعالى عنه-: [[ما جفت أقدامهم من ماء البحر حتى قالوا: {اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف:١٣٨] وما غاب عنهم موسى عليه السلام إلا أربعين ليلة حتى عبدوا العجل!]].

هؤلاء الناس يأمرهم الله عز وجل أن يدخلوا القرية الأرض المقدسة ويعدهم بالنصر؛ فيقولون لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:٢٤] هذا خذلان! نعوذ بالله من الخذلان، دين الله بين أيديهم، وكليم الله يهديهم ويدعوهم، ولكنهم قومٌ معرضون، فأعرضوا عن علم.

ولهذا قال الإمام الجليل سفيان بن عيينة -رضي الله تعالى عنه- وهي منقولة أيضاً عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حبر هذه الأمة قال: 'من ضل من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن ضل من عبادنا ففيه شبه من النصارى'.

فقولنا {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٦ - ٧] لا نريد الضلال على علم -مثل ضلال اليهود- ولا نريد عبادة الله تعالى بالجهل والضلال عن طريق الجهل وهو عبادة النصارى وطريق النصارى، إنما نريد طريق الذين أنعم الله عليهم، الذين ذكرهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في الآية الأخرى: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:٦٩] وهذا هو الصراط المستقيم.