أما القضية الأخرى فهي أن النصر من عند الله، وهذا -أيضاً- صريح كلام الله وما دلت عليه سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما قال الله تبارك وتعالى لعبده وصفيه وخليله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ}[آل عمران:١٢٥] وقال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[آل عمران:١٨٦] وقال في موضع آخر: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ}[آل عمران:١٢٠].
سبحان الله! عندما يقترن الصبر والتقوى في مواجهة الأعداء نغلبهم -بإذن الله تبارك وتعالى- كما قال عز وجل:{بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[آل عمران:١٢٥ - ١٢٦] وقال تعالى في آية الأنفال: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[الأنفال:١٠] إذاً فالنصر من عند الله، مهما تكالب الأعداء، ومهما كانوا أقوى عدداً أو عدة، فالنصر من عند الله عز وجل يهبه لمن يشاء، وما يهبه إلا لعباده المؤمنين إذا اتقوا وآمنوا وصبروا وتحقق فيهم ما أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فالله سبحانه هو الحافظ والناصر.
ولهذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، وإذا اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك} فالعدة والعدد إنما هي وسائل قد أمر الله تبارك وتعالى بها فقال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}[الأنفال:٦٠].
وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{ألا إن القوة الرمي} والرمي يشمل أي نوع، وما يزال الرمي -إلى اليوم- هو الحاسم في المعارك، ولكن كل هذه العدة والعدد لا تعني أن النصر من عند البشر مهما كان هؤلاء البشر؛ بل هو من عند الله سبحانه، فهو ينصر من يشاء ويؤيد من يشاء.
وقد ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في الآيات السابقة أنه أيد المؤمنين بالملائكة، ومن نظر إلى الجيش الذي فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤيد بالملائكة، وهم جند الله الذي لا يقهر ولا يغلب، ومع ذلك لم يسمح المؤمنون لأنفسهم وهم يقرءون هذه الآيات أن يعتقدوا أن النصر من عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أن النصر من عند ملائكة الله؛ لأن الله لا يرضى بذلك.