الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبيك ورسولك وعبدك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا من فضلك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم اجعل تجمعنا هذا تجمعاً مرحوما، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا شقياً ولا محروماً.
وبعد: فالحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأنعم علينا باتباع سنة وهدي خير الأنام، صلوات الله وسلامه عليه، فإنها نعمة عظيمة لا يعرف قيمتها ولا يقدرها حق قدرها إلا من اطلع على ما عانى العالم منه قديماً، وما يعاني منه حديثاً في ظل العقائد البعيدة عن هدي الله، والمخالفة لسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكلنا نسمع في هذه الأيام أغرب ما يمكن أن نسمع، وأعجب ما كنا نتوقع أن نسمعه، بل بعضنا لم يكن يتوقع ذلك ولا يخطر له ببال، ألا وهو هذه الأحداث الكبرى التي تجري فيما يسمى بـ أوروبا الشرقية.
ولسنا بمعزل عن هذا العالم وعن عقائده وأديانه مهما حاولنا أن نكون بمعزل، وذلك لأن وسائل إعلامنا تكاد تكون -في كثير من الأحيان- صدىً لما تردده وسائل الإعلام العالمية، فما يردد هناك تجده هنا، ويعجب الإنسان ويحار وهو يسمع الأحداث كل يوم، ولكنه لا يعرف تفسيرها، ولا يدري لماذا؟ لأن ما يعرض لديه هو نسخة مطابقة لما يعرض هنالك.
أما نحن المسلمين الذين نملك تفسير الأحداث تفسيراً إسلامياً، فإننا لانجد المفسر أو المحلل الإسلامي الذي يعطينا التحليل وراء وقوع هذه الأحداث، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن العالم كله متقارب كما ترونه اليوم.
وما يدور في داخل المعسكر الشيوعي يهمنا، إذ نحن الآن -في العالم الإسلامي- نصطلي بنار الشيوعية الحمراء في أفغانستان وفي مناطق كثيرة جداً من أنحاء العالم الإسلامي، ومعرفتنا لعدونا هي الخطوة الأولى التي لا يمكن تجاوزها في مقاومته وصد كيده وجهاده في سبيل الله عز وجل، ومن هنا كان علينا أن نتطلع إلى معرفة هذه الأحداث ومعرفة ماذا يدور وراءها.
والحقيقة أن الوقت يضيق جداً عن سرد الأمر بالتفصيل ولا سيما ما يتعلق بنشأة الشيوعية، ولماذا نشأت هذه الفكرة؟ ثم كيف طبقت؟ ثم ما هي التعديلات التي جرت عليها؟ ثم التعديل المفاجئ الأخير، وما هي أبعاده؟ وما هي أهدافه؟ والكلام في هذا الموضوع يطول جداً، وإنما أردنا فيما يناسب المقام والمكان هنا أن نحدث إخواننا المسلمين عن بعض العبر التي تهمنا، سواء أكان ما يحدث الآن على يد ميخائيل جورباتشوف تطويراً للشيوعية ووسيلة لتغلغلها في العالم بشكل أكبر كما يرى طائفة من المحللين، أم كان بخلاف ذلك إنقاذاً لها من الانهيار وتغييراً جذرياً لها، وهو كما يرى البعض أنه ما هو إلا عميل أو ألعوبة غربية أرادت تقويض مذهب أمته، وبين هذين التحليلين نستخلص عبراً لا تتغير أياً كانت النتيجة، أو أياً كانت العلة الحقيقية بالنسبة لهذا التغيير المفاجئ، على أنه يجب علينا أن نعطي بعض الضوء على هذا المنهج الخبيث بإيجاز شديد جداً.