للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إطلاق لفظة (عبقري) على النبي صلى الله عليه وسلم]

السؤال

يقال إن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبقري فهل هذا الكلام صحيح؟ أليس مقولتنا هذه تجعله مثل العباقرة الذين ظهروا في التاريخ؟

الجواب

النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسبه من الأوصاف والثناء ما أثنى به عليه ربه عز وجل، فإذا جاءنا أحد وقال هذا عبقري أو عبقرية محمد، أو كان محمد رجلاً محنكاً داهيةً سياسياً ذكياً، وصنع كذا، وحقيقة فإن هذا ما يكتب فيه المستشرقون، ويقع فيه بعض المؤرخين من المسلمين أو من يدعي الإسلام، فتجدون أن هذه الصفات تتجرد وتخلو عن وصفه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرسالة وبالنبوة في الأعم الأغلب، هذا يقول: عبقرية محمد، وهذا يقول: بطل الأبطال، وهذا يقول: الرجولة عند محمد، وكل ذلك يقتضي ولو بالتلميح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس السر فيما حقق وأنجز هو الوحي الذي أوحاه الله إليه، واختصه به، واصطفاه به دون العالمين، إنما هو عبقري والعباقرة كثير، فلو ترجع لكلامهم تجدهم يقولون: حمورابي عبقري، حتى فرعون عندهم عبقري، وأديسون عبقري، وهتلر عبقري، وماركس ولينين، إذاً العبقرية وصف إنساني، وهو وصف عام مشترك، فهذا لا يجوز.

فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو رسول الله، والله سبحانه قد وهبه كمال العقل ووهبه كمال الخلق، ولكن أعظم وصف له، وسبب كل ما ناله من الله تعالى وأظهره على يديه من الخير؛ هو أنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصطفاه بذلك وأظهره على العالمين، وشريعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليست نتاج عبقريته، فهو لم يشرع الحدود ويشرع كذا لأنه عبقري، لا، إنما هي وحي: {قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} [الأنبياء:٤٥] فهذا حكم الله وهذا أمر الله، وانظروا إلى سورة النور وفيها الحدود العديدة: حد الزنا، وحد القذف، وما أشبه ذلك، ماذا قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} [النور:١] فالذي شرع هذه الحدود هو الله، وقال في الآية الأخرى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:٤٤] فالأمر فيها لله، والذي حكم بها وقضى فيها هو الله، وليس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس ذلك هو نتاج عبقريته.