لذلك أنكر الجاهليون ما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الوحي، فأنكروا الوحي، والوحي من الغيب؛ فقالوا: كيف يتنزل هذا القرآن على هذا الرجل؟ هذا لا يمكن أبداً! ولذلك قالوا له: إنما أنت مفتر، وقالوا عنه: ساحر، وقالوا عنه: كاهن، وقالوا عنه أيضاً: شاعر، وقالوا: إنما يعلمه بشر، وقالوا: أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً، فَلِمَ كُل هذا اللجاج وكل هذا العناد؟! كل ذلك حتى لا يؤمنوا بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اختص هذا النبي الأمي بهذه الرسالة؛ فأنزل وأرسل إليه الروح الأمين بهذا الوحي، وهل في ذلك ما يخالف الفطرة أو العقل السليم؟ كلا.
لا شيء من ذلك، ولكنه العناد والجحود، فقد جحدت الأمم وعاندت من قبل، كما فعل ذلك فرعون وقومه، ولهذا أخبر الله عنهم بقوله:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً}[النمل:١٤].
فطمأن الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، فقال:{فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}[الأنعام:٣٣] أي لا تهتم بقولهم لك: إنك كاذب؛ فإنهم في حقيقة أنفسهم لا يعتقدون كذبك، بل يعلمون -في أنفسهم- أنك صادق؛ ولكنه الجحود.
فهل نفعهم هذا الإقرار القلبي المجرد؟! هل نفعتهم هذه المشاعر الذهنية العامة بأن هنالك عالماً آخر هو عالم الغيب بخلاف عالم الشهادة؟ لا.