للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مجتمعات اليوم وأسلوب تعاملها مع الفرد والمجتمع]

نحن نجد اليوم أن المجتمعات في هذه الأرض، وفي هذا العالم المزدحم بالأمواج من الفتن والآراء والأهواء والنظريات والفلسفات، على فريقين: الفريق الأول: مجتمعات أو أمم تهضم حق الفرد، فلا ترى للفرد حقاً ولا تكاد تقيم له وزناً، وهي الدول العقائدية، أو الدول التي قامت على نظريات فلسفية منذ القدم، منذ أن نَظَّر أفلاطون لجمهوريته، وإلى الماركسيين المعاصرين في كثير من دول العالم، وكذلك الحكومات القومية في العالم الإسلامي وغيره، هذه كلها مجتمعات تجحف حق الفرد وتتناساه، وتربي الناس على حق الأمة وواجب الأمة وما ينبغي للأمة.

الفريق الثاني: المجتمعات الرأسمالية، وهي إنما تنزع إلى إحياء وبعث وتعميق النزعة الفردية، فالحق عندهم للفرد، ولا ينظرون إلى المجتمع إنما المهم هو الفرد والإنسان في ذاته.

وهذا -أصلاً- موجود في الفطرة فالإنسانية، الإنسان محببٌ إليه أن يسعى وأن يعمل لذاته وحدها، ولكنَّ ذلك أُصِّل وفق نظريات ومناهج في العالم الغربي الرأسمالي منذ أيام الرأسماليين الأوائل مثل آدم إلى ريكاردو وإلى الآن.

فإن الواقع الذي تعيشه الامبراطوريات المالية -كما يسمونها في العالم الغربي- نجد أفراداً أو قلة قليلة تتحكم في أكثر من ثلثي أو ثلاثة أرباع ثروة المجتمع ومُقدراته وإعلامه ورأيه وفكره.

وهكذا نجد أن الظلم الذي نجده في أنفسنا نحن المسلمين أو الجانب الذي نحاول أن نحاربه في أنفسنا ونشعر به، نجد أنه على مستوى العالم الآخر يكون كأشد ما تكون حالات الظلم وضوحاً وتجلياً، وما ذلك إلا للانحراف عن هدى الله، ومنهجه -تبارك وتعالى- الذي أنزل علينا الكتاب مفصَلاً، والذي تمت كلماته صدقاً وعدلاً، والذي أعطى كل ذي حق حقه، فلا يجور الفرد على المجتمع، ولا يجور المجتمع على الفرد، وإنما لكل منهم حقه المشروع، فلا تتصادم الحقوق ولا تتعارض، ولكن تنسجم وتتلاءم، وكلها فيما يرضي الله -تبارك وتعالى- فينال كل ذي حق حقه بالقسط، دون أن يحيف أو يجور في حالة من الحالات.