للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذبيحة العتيرة]

وقد كان الذبح واتخاذ يوم من شهر رجب عيداً يذبح فيه من شأن الجاهلية، والذبيحة التي كان الجاهليون يذبحونها تسمى العتيرة، وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {لا فرع ولا عتيرة}.

واختلف العلماء في ذلك فمنهم من رأى أن هذا ناسخٌ ومبطلٌ لما كان عليه أهل الجاهلية، فبعد أن قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا فرع ولا عتيرة} لا يجوز لأحد أن يحتفل أو أن يذبح في شهر رجب.

وقال بعض العلماء: إن النهي إنما هو للوجوب، فيظل ذلك استحباباً؛ لأن أهل الجاهلية -في نظره- كانوا يفعلون ذلك وجوباً ويعظمونه تعظيماً بالغاً.

ومنهم من حمله على الكراهة مستدلاً ببعض الآثار أو الأحاديث ولا مجال لتفصيل القول فيها.

ولكن القول الصحيح والراجح والذي عمل به الإمام أحمد -رحمه الله- وغيره من السلف المتبعين للأثر والسنة في هذا، هو ترجيح أن ذلك كان من أمر الجاهلية، وقد أبطله الإسلام، فلا يذبح في شهر رجب ولا يعظم، ولا يتخذ يوماً من أيامه عيداً يعظم.

ولعل الليلة التي يكثر السؤال عنها والتي يعظمها بعض الناس في هذا الشهر هي ليلة السابع والعشرين منه معتقدين أنها ليلة الإسراء والمعراج، وقد بينا أن هذا من البدع، وأنه لم يثبت، ولم يصح في هذه الليلة شيءٌ يعتمد عليه في تحديد تاريخها، وأنه لو ثبت وصح أنها في ليلة معينة أو في وقتٍ معينٍ بذاته لما جاز أن يحتفل بها؛ لأن ذلك لم يأتِ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا عن أحد من الصحابة.

وإنما أحدث ذلك المحدثون في القرون التالية للقرون المفضلة الثلاثة، ثم اختلفوا في ذلك اختلافاً شديداً جداً في تعيينها، وأكثر من يعظم هذه الليلة وغيرها من ليالي الشهر بالبدع هم الرافضة والصوفية، وكفى بذلك زاجراً للمؤمن عن مشاركة أهل البدع في بدعهم وأهوائهم وضلالهم، الذي لم يأت ولم يصح فيه شيء عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.