جاءت ابنة أحدهم إليه, تقول: يا أبتاه! أريد أن ألعب، وكان معه بعض جلسائه, فأعرض عنها, فأتت من هاهنا ومن هاهنا: يا أبتاه! أريد أن ألعب! قال أحدهم: قل لها: العبي, وتذهب عنك، قال: لا أريد أن أجد في ديواني لعباً؛ لأن بعض السلف يرى أن ذلك يكتب! وهناك خلاف في هذه المسألة بين السلف رضي الله تعالى عنهم؛ فبعضهم كان يرى أن كل شيء يقوله الإنسان يكتب عليه {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:١٨] فكل كلمة مكتوبة، وكل عمل مكتوب أياً كان, وبعضهم يقول: لا, إنما تكتب الحسنات أو السيئات, أما ما يدخل في المباح أو اللغو أو فضول الحياة, فهذه لا تكتب مثل قولنا: العب أو اذهب أو أي أمراض من أعمالنا اليومية التي لا علاقة لها بالإثم ولا بالحسنة, فالكلام المعتاد لا يكتب, والتصرف المعتاد لا يكتب؛ فكان هذان المذهبان من قديم عند السلف رضي الله عنهم، فبعضهم يقول: كل شيء يكتب؛ فإذا قلت:"العبي" وجدت يوم القيامة في ديواني مكتوب "العبي" وما أريد أن يكون ذلك في ديواني, ومن هنا ندرك مدى التنزيه الذي وصلوا إليه لأفواههم ولقلوبهم ولصحائفهم, مع ما هم عليه من الخوف!! فكيف بمن يلطخ لسانه وقلبه وصحائفه, فإذا سُئِلَ, قال: الحمد لله! ونحن إلى خير! ونحن كذا! وأخذ يثني على نفسه ويذكرها بما ليس فيها.