فكيف كان حال بني إسرائيل -كما ذكره الله في القرآن وكما هو مذكور في التاريخ- في ظل فرعون؟ هذا الطاغوت الذي لم يحدثنا الله تبارك وتعالى عن طاغوت كالحديث عنه، ولكن! ماذا وعدهم الله؟ وكيف كان فرعون يصنع بهم؟ كان يقتل أبناءهم، ويستحيي نساءهم ويفعل بهم الأفاعيل، ولا حيلة لهم على الإطلاق في هذا المجتمع الظالم، ولكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أخبر عن وعده لهؤلاء، فقال:{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}[القصص:٥] سبحان الله! الله إذا أراد أمراً فلا مرد له، فقد قضى الله وقرر أنه يريد أن يمنُّ على هؤلاء لأنهم كما قال تعالى:{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ}[القصص:٤] وشيعاً: أي أن المجتمع الفرعوني كان طبقات، وكان أردؤُها طبقة بني إسرائيل.
والله تعالى يعد بأنه يريد أن يمنُّ على هؤلاء المستضعفين، ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين؛ وفعلاً تحقق ذلك لمّا أن كان بنو إسرائيل على دين الله، ولما اتبعوا نبيه، رغم ما فيهم من التواءات، وبالرغم مما قاسى موسى عليه السلام وما عانى كما شكى ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ليلة الإسراء، فقال:{قد عانيت من أمر الأمم من قبلك ما لم تعان} ومع ذلك فقد قال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ}[الأعراف:١٣٧] فتحقق وعد الله عز وجل مع أنهم كانوا أمة في الحضيض، وأمة عصاة غلاظ القلوب والأكباد، إلا أنهم ابتعدوا عن التخاذل فترة ما أورثهم الله، ومن أصدق من الله قيلاً، فكيف بهذه الأمة وقد قال تعالى:{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}[الأنبياء:١٠٥] فلو قلنا: إن الأرض هي الجنة فلا إشكال -كما هو قول بعض المفسرين- ولكن أيضاً كتب الله عز وجل ذلك وحققه في الدنيا، فأورثت هذه الأمة، ومكنت في هذه الدنيا؛ لأنها كانت على الإيمان بالله تبارك وتعالى.