بقدر تفاوت الناس في الإيمان بالغيب يكون تفاوتهم في الإيمان عامة، وتكون منازلهم عند الله تبارك وتعالى، وتكون مراتبهم في الجنة، لأنه كما قلنا: الإيمان يقتضي ويتضمن القول والعمل وكذلك الاعتقاد والتطبيق والتنفيذ، وكل ذلك يدخل تحت مُسمى الإيمان بالغيب، والانحراف الذي وقع فيه الناس في هذه المسألة هو أكبر انحراف وأعظم ضلال؛ فكل من ضل في معرفة الله تبارك وتعالى، وكل من أشرك مع الله تبارك وتعالى غيره، وكل من أنكر الرسل وجحدهم وكذب ما جاءوا به؛ كل ذلك إنما هو لأنه لم يؤمن بالغيب؛ إذاً هذه هي القضية والحقيقة.
إن الناس يتفاوتون -كما قلنا- في الإيمان بالغيب، فهنالك أناس يؤمنون بالغيب إيماناً نظرياً عقلياً مجرداً، وهذا حال أكثر الناس من المسلمين، فهم يؤمنون بالغيب: أي يصدقون بأن هنالك رباً ورسولاً وملائكة ويوماً آخر، وإذا سألت أحدهم عن اليوم الآخر، عن الصراط، والميزان، والحساب، قال: نعم أُقر بذلك، وأؤمن به وأصدق به، لكن هل هذه هي حقيقة الإيمان بالغيب التي يريدها الله تبارك وتعالى والتي من أجلها أنزل الكتب، وأرسل الرسل؟ بل وهنالك أيضاً من ينكرون الإيمان بالغيب! وينكرون عالم الغيب؛ ولو دققنا ومحصنا لوجدنا -في الحقيقة- أنه لا يوجد عاقل على الإطلاق ينكر الغيب.