للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاهتمام بأحداث الخليج لا يمنع من الاهتمام بكل الأحداث]

السؤال

نلاحظ أن هم الناس ينصب على قضية العراق والكويت، ونسوا قضية أفغانستان وفلسطين بعد ما كانت همهم الأكبر؟

الجواب

نحن المؤمنين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، فلا ينبغي أن تشغلنا قضية عن قضية، وإن كان بعضها أهم من بعض بلاريب، ولكن لضعفنا وتفرقنا وقلتنا، والقلة لا نعني بها الغثاء، فالغثاء كثير، لكن قلة من لديه البصيرة، كان هذا سبباً من أسباب أن الأمة تشتغل فتُلهى بقضية عن قضية، ولذلك أصبحت كالكرة يتراماها الأعداء، وكل ما انصرفوا إلى قضية شغلوهم بقضية أخرى، فلا شك أن ما نراه في الكويت أمر كبير وخاصة لأنه قريب منا، وأن تعطُّلَ الدعوة في الكويت، وتعطل منابع للخير فيها يؤثر على الدعوة في عامة العالم الإسلامي، ولا شك في ذلك، وهي جديرة أن يهتم بها، لكن لا يعني ذلك أن ننسى القضايا الأخرى.

وانظروا إلى أعداء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هؤلاء الذين لا تلهيهم قضية عن قضية؛ لأن لديهم التخصصات والاستشارات والدراسات الوافية عن كل مشكلة، وكل موضوع، وانظروا إلى الحرب النفسية التي يجعلوننا نعيش فيها، فرئيس الدولة في إجازة ونائبه في إجازة ووزير الدفاع في إجازة.

شيء عجيب جداً!! لماذا مع هذه الأحداث؟ وخاصة أن عندهم في الداخل مشاكل وعندهم في أماكن كثيرة أمور لم تحسم ولم تحل ومع ذلك فإنهم بهذا الحال، لأنهم حقيقة أخذوا بسنة الله في التخطيط والدراسة والشورى، ولذلك لا تأتيهم الأمور صدفة، ولا تأتيهم قضية تشغلهم عن القضايا الأخرى.

الجوانب الاقتصادية لها حسابها، والجوانب العسكرية لها حسابها، والجوانب السياسية لها حسابها، والمواطنون في إرتيريا لا ينسون ولا يغفل عنهم من أجل المواطنين في العراق، ووحدة ألمانيا والوحدة الأوروبية، ومشاكل كثيرة تُدرس وكلها على مستوى واحد وتنال حظاً من الاهتمام، وإن كانت لا ينالهم من الإعلام لأنه يستأثر بآخر القضايا.

لكننا مع الأسف إذا جاءتنا قضية شغلتنا عن الأخرى.

وخير مثال -والأمثلة توضح ذلك- ما ذكره مالك بن نبي رحمه الله عندما ذكر أن حال هذه الأمة، مثل مصارعة الثيران، فالأمة فيها قوة ومقاومة، فالغرب جعلها كالثور الذي يصارع تلك القطعة الحمراء من القماش، فيتلاعب به كما يشاء، وينهك جهده ويذهب قوته دون أن يثمر شيئاً، فيطعنه في الأخير ويخر صريعاً ويموت، وهكذا يفعلون، يرون أننا نستنكر وأن مشاعرنا تثور وعواطفنا تستنفذ فيجعلون أمامنا قضية تستهلك كل قوانا.

وإذا جاء أحد يذكرنا بغيرها لا يُنظر إليه مطلقاً مع أنه لا ينسينا إياها.

تذكرون أيام الجهاد الأفغاني كان بعض الإخوة، وبعض الدعاة يقولون: لا تنظروا فقط إلى أفغانستان فالقضايا كبيرة والأخطار محدقة والمصائب من كل جهة، اهتموا ببناء قاعدة للإسلام في هذا البلد، وهو الأساس وهذا هو المنطلق، وما كان يُسمع إليه، وربما يتهم بأن هذا تثبيط أو تخذيل، فلما وقعت الواقعة هنا وإذا به يقال: كل الذي هناك يأتون إلى هنا، وننسى أولئك، فلا هذا ولا هذا.

يجب أن تكون مواقفنا دائماً متزنة ومحسوبة ومدروسة -والحمد لله- فالمال وفير فنستطيع أن نعطي هنا وهناك، والإعانات والإغاثة كذلك، والطاقات -والحمد لله- لو وجهت ونظمت ورتبت فهي كثيرة، وأقول بهذه المناسبة: جزيرة العرب كانت معروفة بقلة سكانها وقلة مواردها سابقاً، أما الآن فعلى العكس فالموارد بها من أغنى بلاد العالم.

لكن من ناحية العددية والطاقات الذهنية، هي هي في جميع القرون، هي التي أخرجت الصحابة الذين فتحوا فارس والروم، وهي التي قاومت الصليبين، فما هناك نقص في العدد بل هناك زيادة في المال، والعدد هو هو، فلو وجهت الطاقات والجهود في هذه الأمة في داخل الجزيرة، بل لا نقول في جزيرة العرب كلها، بل فقط المملكة، وأصبحت مسخرة لوجه الله في الإعلام والجيش وفي كل القطاعات من الرجال المؤمنين، توبة صادقة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، واستقامة صادقة على أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى والكف عن كل ما حرم الله، وتوعية مستديمة وشاملة في العقيدة الصحيحة، وفي الإيمان الصحيح، وعن أعداء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لغَيَّرنا والله العالم كله، وهزمنا العالم كله بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فليست هي قضية عجز؛ لأن فينا من الطاقات -ولله الحمد والفضل والمنة- معدن الخير ولا ينضب في جميع العصور، ولا نعدم الخير في هذه البلاد.

أما الغفلة التي أكثر الناس غارقون فيها، فهي العائق أمام استغلال هذه الطاقات الهائلة لهذه الأمة، ومع ذلك توجهت بعض طاقات من شباب هذه الأمة إلى بعض المجالات، فتفوقت على أهل تلك البلاد في عدة مجالات، في الاكتشاف والبحث العلمي، وكذلك لما توجهت إلى بعض المجالات الجهادية فعلت ما لم تفعله أي بلاد أخرى، ولما توجهت إلى مجالات علمية أنتجت ما لم تنتجه أي بلاد أخرى، فهذه من رحمة الله ونعمته وفضله على هذه البلاد، ولكن نحن نتغافل عن هذه النعمة بالركون إلى الشهوات وملذات الدنيا، مما أورث لدينا الوهن {حب الدنيا وكراهية الموت} كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.