ينبغي أن يفرق الإنسان بين ما يهواه ويتمناه، وأن يكون له قاعدة في عمله، فأنت عندما تعمل في طريق الدعوة أو الجهاد، فالقاعدة في ذلك أن لا تستعجل، ولهذا لما جاء الصحابة إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو متوسد في ظل الكعبة، قالوا: يا رسول الله! وشكوا إليه -كما تعلمون الحديث- ما نالته منهم قريش، وسألوه الدعاء، قال:{والله ليتمنَّ الله هذا الدين حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت} وقال تعالى: {خُلِقَ الْأِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ}[الأنبياء:٣٧] فليست القاعدة في الدعوة هي العجلة، وقطف الثمرة، لكن النفس تهوى ذلك وتتمناه.
وهذا -والله أعلم- لا تؤاخذ به، فأنت تجاهد وتقدم على قتال العدو وملاقاته، أو تدعو وتقدم في سبيل الدعوة، وأنت تعلم أنك لا تدرك ثمرة عملك هذا، لا يعيقك ذلك ولا يؤخرك، لكنك تتمنى أن لا يميتك الله حتى ترى ثمرته، وهذه أمنية وللإنسان أن يتمنى الخير، وما نهانا الله أن نتمنى الخير، ولكن لا ينبغي للأماني هذه أن تؤثر على العمل؛ فتصبح هي الهدف، وهي المقصود الذي نحققه، هذا الذي يبدو لي في هذه المسألة والله تعالى أعلم.
أما من أراد الحيطة وأراد أن يقطع هذا الأمر من أساسه، فينبغي له كما ثبت عن كثير من الصحابة منهم عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين ممن تمنوا أنهم ماتوا ولقوا الله تعالى مع مصعب بن عمير وأمثاله، كما حدث لـ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فكانوا يخشون أن تكون حسناتهم عجلت إليهم، كما قال عتبة بن غزوان:[[وما منا اليوم إلا من هو أمير على مصر من الأمصار]] خافوا من الذي نتعجله نحن.
ولا شك أنّ الإنسان مجبول على أنه يتمنى أن يريه الله نصرة هذا الدين، كما دعا سعد بن معاذ أن يريه الله يوماً في بني قريظة قبل أن يموت، والحمد لله فقد أراه، فهذه حالات تعرض في النفس، فإذا لم تؤثر على القاعدة، ولم تدخل إلى المنهج وإلى الغاية، فإن هذا لا يؤثر إن شاء الله تعالى.