للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عواقب الشرك]

فلما كان الشرك بالله منافياً بالذات لهذا المقصود، كان أكبر الكبائر على الإطلاق، وحَرَّمَ اللهُ الجنة على كل مشرك، وأباحَ دَمَه ومالَه لأهل التوحيد، فالذي رفض وأبى واستكبر أن يكون عبداً لرب العالمين يستحق من العقوبة أن يكون عبداً لمن يعبد رب العالمين.

وهذا مما يدل على فضل التوحيد وأهله، وعلى إهانة الله تبارك وتعالى للشرك وأهله، فلا مُكرِم لهم, ولا قيمة لهم عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كائناً ما كان، وأما هذه المنظمات الدولية التي ترفع عقيرتها بالمناداة بحقوق الإنسان زاعمة أنه لارق في هذا القرن, ولم يعلموا لجهلهم أن أعظم الحقوق على الإطلاق هو حق الله على عباده بأن يُعبد وحده ولا يُشرك معه أحد, لأنه هو الذي من أجله خُلق الإنسان, ومن أجله قامت السماوات والأرض وبه قامت أما أن يكون من حقوق الإنسان -كما جاء في الميثاق الدولي لحقوق الإنسان- أنه يجوز للإنسان أن يغير دينه كما يشاء, ولايحق لأحدٍ منعه؛ فهذا الميثاق إضاعة لأكبر وأعظم حق, وهو حق الله تبارك وتعالى.

نعم أعطى الإسلام الحرية للإنسان ابتداءً في الدخول في هذا الدين {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:٢٥٦] لكن بعد ذلك ليس له الرجوع عنه، وإن ارتد قُتل.

فهذا الدين دين الحرية الحقة, الذي يحرر الإنسان من الشهوات, ومن عبادة الشيطان, ومن عبادة الأنداد والبشر والأحبار والرهبان والكهان والأباطرة وغير ذلك؛ ممن ادعى الربوبية أو الألوهية مع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهؤلاء لما تركوا القيام بعبودية الله, استحقوا أن يكونوا عبيداً لمن قام بحق العبودية لله وهم المؤمنون، ولذلك إذا ترك المؤمنون التوحيد, سُلِّط الكافرون عليهم عقوبةً لهم, ولأنهم عرفوا الحق وتركوه, وتنكبوا طريقه.

يقول: 'وأبى الله سبحانه أن يقبل من مشرك عملاً، أو أن يقبل فيه شفاعة، أو يستجيب له في الآخرة دعوة، أو يقيل له فيها رجاء، فإن المشرك أجهل الجاهلين بالله، حيث جعل له من خلقه نداً، وذلك غاية الجهل به كما أنه غاية الظلم منه، وإن كان المشرك لم يظلم ربه، وإنما ظلم نفسه' أعظم وأسوأ صفتين في الإنسان واحدة منها تكفي وإذا اجتمعتا فلا شر أكبر منهما، كما قال الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:٧٢] غاية الجهل أن يجعل مع الله نداً، وغاية الظلم أن يسقط حق الله ويعطيه لغير الله -أي الشرك- فإذا اجتمع الظلم والجهل, فكل شر في الدنيا خَطَرَ على بَالِكَ فهو آت من قبل الظلم أو الجهل، فالمشرك جاهل بالله لأنه ما قدّر الله حق قدره ولهذا عَبَدَ معه غيره, وهو ظالم لنفسه أشد الظلم، لأنه يصرف حق الله الخالص ويعطيه لغيره من عبد مخلوق مثله فيكون كما قال فرعون وقومه: {وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} [المؤمنون:٤٧] والمقصود أن أصل الشر والبلاء يأتي من قبل العابدين لا المعبودين من دون الله فهم أسماء سماها العابدون، ولم لم يعبدوهم ما كانوا شيئاً؛ فلو قال قوم فرعون لفرعون حين قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:٢٤] لو قالوا: لا، أنت بشر مثلنا ما فعل شيئاً، فما بالك بالحجارة وغيرها، فالسبب العابدون، ولذا لا ينفعهم يوم القيامة أن يقولوا: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا} [الأحزاب:٦٧] لأنه لولا هذا الجاهل ما تفرعن المتفرعن.