[أكثر المشاكل تحتاج إلى صبر وتعاون]
أقول أولاً وآخراً: اصبروا واحتسبوا، وأخلصوا العمل لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، واعلموا أن كل من يدعو إلى الله عز وجل، وكل من يُعلم الناس كتاب الله، وكل من يدعوهم إلى الخير فهو معكم، وإنما خطؤنا وتقصيرنا هو من أنفسنا، فإننا لا نتزاور، ولا نتعارف، ولا نتعاون، ولا يشدُّ بعضنا من أزر بعض، واعلموا أن بعض الأمور قد تستعصي على عضو الهيئة بينما يستطيع أن يحلها إنسان آخر بطريقة أخرى لما له من معرفة في الشرطة، أو في الإمارة، أو في أي إدارة أخرى، فتحل القضية، ويكسب الأجر العظيم، وتكون الشفاعة الحسنة التي يؤجر عليها صاحبها.
إننا قد لا نشعر بمشكلات بعضنا البعض، المحاكم لا ندري ما يدور فيها، فهم متخمون بالادعاءات والمشاكل، وهيئات التمييز تقول: لا نقدر أن نغطي أعمالنا لكثرة ما لدينا من مصائب، المدرس يقول: نحن جداولنا مزدحمة، تحضير في الليل وتدريس بالنهار؛ فهذه الأعمال جعلت كل واحد منا في وادٍ، بينما لو وجد شيء من التنسيق وبذل بعض المجهود لاستطعنا أن نحقق الشيء الكثير بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، هذا يلقي كلمة، وهذا موعظة، وهذا يطرح مشكلته على إخوانه فيجد عندهم الحل.
وأضرب لكم مثالاً من واقع المحكمة، باعتبارها محكمة شرعية وهي أقرب شيء للهيئة، وما تراه أنت منكراً لا شك أن القاضي يراه منكراً، أقول: أنا أعلم ما تعاني الهيئات من المحاكم المستعجلة لكن ذلك، لعدم وجود تنسيق ولقاءات خارج الدوام فيما بيننا، حتى نأتي على هذه المشاكل، ولكن كل واحد منا يعمل بدون أخذ مشورة من الآخر، وبعض القضاة يريد أن يطبق شروط الفقهاء -عشرة شروط أو أكثر- في القرن الثاني أو الثالث.
فمثلاً: لا يعزره لعدم وجود الشروط، أو يقول: قد وبخت الجاني، وهذا غير لائق.
أحد القضاة يأتيني وهو من خريجي الجامعة يقول: أتاني شخص قد شرب الخمر اثني عشر مرة، فلما قلت له: الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: {إذا شرب الرابعة فاقتلوه}، قال: القضاء الأعلى لم يفعل ذلك، إذاً: لا بد أن نضع عقوبة رادعة لشرب الخمر لأنه انتشر، ومثل الخمر الخلوة، التي لا يبقى بعدها إلا الفاحشة الكبرى -الزنا- التي يحذر منها حتى الغرب الإباحي، فهذه لا يكفي فيها التوبيخ والزجر كما فُعل مع من شرب الخمر.
أقول: لا أريد أن أتكلم في هذه المشاكل لذاتها، لكن أقول: هذا من ضعف التعاون والتنسيق بين المسئولين في الهيئة -ولا تؤاخذوني في ذلك- وبين المسئولين في المحاكم المستعجلة، وبين المسئولين أيضاً والدعاة، وبين كل ما يهتم بهذا الدين، لو كان هناك شيء من التعاون لكان غيرك يستطيع أن يفعل ما لا تفعل أنت، يرفع إلى الجهات العليا ما لا تستطيع أن ترفع، فأنت قد تتهم أنك تتكلم عن شيء لأن لك غرضاً في نفسك، لكن عندما يأتي الأمر من غيرك ممن له قدرة فإنها تصلح الأمور؛ لكن أقول: ما زلنا نتهاون حتى أصبح رجل الهيئة كأنه خصم، وهذا خطأ، فرجل الهيئة محتسب، والمحتسب لا يؤاخذ؛ إن أخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران، هذا دين الله عز وجل وهذا شرع الله قديماً، وحتى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمة الله عليه هذه فتواه بذلك ومعممة على جميع المحاكم وجميع الهيئات، وما أشاعه الكذابون والمجرمون أن الحسبة أوقفوا حركة المرور، وطلبوا من كل واحد مع امرأة أن يخرج الصك أنها زوجته فهذا تشويه، وهذا الأمر لم يسبق أن حدث، لكن الإرجاف، والإشاعة والكذب تجعلهم يهولون هذه القضايا، ولنفترض أنه حصل واشتبهت الحسبة في أحدهم وسئل: هذه زوجتك أم لا؟ فلا حرج في ذلك، فهم مترددون بين الأجر والأجرين، لكن إذا اتهم المحتسب وظهر أنه يقصد أمر آخر فهنا يفصل عن العمل، ويبحث عن أناس غيره من الطيبين، لكن المهم أن يعمل جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن الرجل الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر محتسب وليس خصماً، لا أمام المدعي العام، ولا أمام المحكمة، فلا يقال: ادعى رجل الهيئة وأجابه المدعى عليه فلان بن فلان، ويصل الأمر إلى أن يضرب رجل الهيئة والكل ينظر.
ولا أقول هذا لإثارة هذه المشاكل، بل أقول: لتصبروا عليها، لأننا في زمن الصبر وإن لم نصبر فلن نفوز، بل هذا الصبر وهذا الابتلاء أساس الفوز، وأساس النصر، وهو أول طريق الخير، وأنا أقول هذا على سبيل التفاؤل لا على سبيل التيئيس، أقول: وهذا دليل على أن الفجر قريب -بإذن الله- والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سيسخر لدينه من يقوم به، وسوف يخرج من أصلاب المجرمين من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل لنا عبر في الأمم الأخرى، نحن الآن نشكوا من التبرج في الأسواق، والعالم من حولنا بدأ يعطينا عبراً، المرأة في الدول الغربية بدأت تطالب بالعودة إلى البيت، في مصر أكثر دولة إسلامية ركز عليها الاستعمار لإفساد جيلها، الفتيات بدأن بالتحجب، ولا يوجد علماء ولا دعاة ولا هيئات تدعمهم، بدأن يتحجبن من ذات أنفسهن في الجامعة، في عدن الشيوعية يخرج البنات من طالبات الثانوية في مظاهرات للمطالبة بالفصل بين الطلاب والطالبات، في الجزائر مليون امرأة تخرج للمطالبة بمنع الرياضة في مدارس البنات، ومنع الاختلاط، وعودة الحجاب.
بدأت تعود الأمة لدينها في كل بلد وهي لا تعرف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن لما ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ممن يجب عليه أن يقوم به، استبدل الله بهم قوماً آخرين ثم لم يكونوا أمثالهم، فقاموا بهذا الدين، لكن ما علينا إلا الصبر، هذا الأمر قد يستمر مائة أو مائتين سنة، وذلك لا يهمنا، الذي يهمنا هو أن نجتهد ونصبر، وأن كل ما اشتدت الظلمة نرتقب الفجر.