[أعظم الشعائر المكانية]
إنَّ الله -تبارك وتعالى- جعل لهذا الدين معالم وعلامات ظاهرةٍ تدل عليه، وبعضها -كما ذكرنا- مكاني وبعضها زماني، فمن الشعائر المكانية التي عظمها الله تبارك وتعالى وأمر بتعظيمها: الثلاثة المساجد مكة والمدينة وبيت المقدس.
فهذه الثلاثة من شعائر الله وكل مسجدٍ لله -أيضاً- كما قال عز وجل: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور:٣٦] فالمساجد من شعائر الله، ورفع الأذان فيها من شعائر الله، وتعظيمها من تعظيم شعائر الله.
وأفضل المساجد هي المساجد الثلاثة التي ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لا تشد الرحال إلا إليها، والحرم كله معظَّم، ولا سيما في هذه البلدة الطيبة الطاهرة فهو من الشعائر المكانية.
وقد جاء في تعظيمه في كتاب الله وفي سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأدلة ما لا يحصى، كما في قوله تبارك وتعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً} [البقرة:١٢٥] وفي قول الله عز وجل: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ} [المائدة:٩٧] وغير ذلك من الآيات، فهي كلها تدل على أن الله تعالى قد عظَّم هذا البيت وهذا الحرم وشرفه على سائر البلدان، وأنه من شعائر الله التي يجب أن تعظم.
وقد كان العرب في الجاهلية يعظمون البيت الحرام تعظيماً بالغاً، فعلى ما كانوا فيه من شرك وجاهلية وعبادة للأصنام إلا أنهم كانوا يعظمون البيت، وكان من ينتهكه منهم يعد عندهم من أفجر الفجرة وأكبر الظلمة ولا قيمة له سواء أكان فرداً أم قبيلة.
ولهذا جاء في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} [المائدة:٢] أن الناس كانوا إذا جاءوا إلى مكة وخرجوا من الحرم، يأخذون من لحاء الشجر ولا سيما شجر السمر الذي يكثر في مكة ويجعلونه علامةً على رقابهم أو على دوابهم فلا يتعرض لهم أحد أبداً؛ لأن الناس كما تعلمون كانوا في الجاهلية يقطعون الطريق، فإذا قدم القادم ورأوا عليه هذا الشعار وهذه العلامة عظموا ذلك ولم يتعرض له أحد.
فكان هذا حالهم في الجاهلية، فلما جاء الإسلام زاد ذلك تعظيماً -ولله الحمد- وتشريفاً بأن أعاد إلى هذا البيت نقاء وطهارة التوحيد، الذي جاء به الخليل صلوات الله وسلامه عليه، والذي بنى هذا البيت أو جدد بناءه؛ ليكون كما أمر الله تبارك وتعالى مكاناً يعبد فيه عز وجل كما قال: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج:٢٦].
فهذه هي ملة إبراهيم التي أمر الله تبارك وتعالى بها، وجددها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعظَّم الحرم أشد مما كان يُعظم في الجاهلية، ويدخل في ذلك ما ذكره بعض العلماء من الصفا أو المروة أو مزدلفة أو منى وكل ما قد عظمه الشرع.
وسنذكر إن شاء الله عندما نتعرض لأحوال الناس في تعظيم الشعائر ما ابتدعه الناس مما لم يعظمه الله ورسوله في هذه الأماكن، والمقصود أن أعظم وأشرف الشعائر المكانية هو البيت الحرام، وأن لتعظيمه أموراً وحقوقاً لا بد منها لعلنا نذكرها إن شاء الله تعالى بالتفصيل فيما بعد.