لكن قوله:{وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}[المائدة:٥٤] كثير من الناس لا يمنعه من قول الحق، أو السير في طريق الدعوة والاستمرار فيه؛ إلا لوم اللائمين، فإن كان قريباً أو صديقاً أو محباً قال: يا فلان أنا أحبك، وأعزك، وأشفق عليك، ولا أريد أن تؤذى، ولا أريدك أن تهان ولا أريدك أن تُخذل، أريدك أن تقعد محترماً، وفعلاً قد يكون يحبه، ولكن هذا من لوم اللائمين.
وآخر قد يقول له أبوه أو أمه: تريد الجهاد، أخاف عليك أن تموت فمن يبقى لنا؟ أين نذهب من بعدك إلخ.
وهذه حرب أخرى تسمى في مصطلحات الناس اليوم: الحرب النفسية وحرب الأعصاب، والمهم أن هذا اللوم من المهم جداً أن يتجنب، وقد يقال لك: ألا يوجد إلا أنت حتى تقاتل الكفار وتجاهد، وأنت تريد الجنة، كلنا نريد الجنة، ونقاتل، وندعو، ونأمر، وننهى، ولو أوذيت أو عذبت لصبرت لكن المشكلة هي في أن يأتيك اللوم.
واللوم ليس شرطاً أن يكون من العدو؛ لأنه لو كان من العدو فلن يؤثر، لكن المشكلة إذا جاءك من المحب، ومن الموافق، وفي صورة الناصح المشفق الحنون الدءوب على مصلحتك، لكنك لو أطعته لتركت أمر الله تعالى، وتركت الجهاد في سبيل الله، ونزلت عن الدرجة التي يريدها الله تعالى لك؛ فالله تعالى يصطفى هؤلاء الأصناف بدرجة عالية عظيمة المقام، كمقام الأنبياء، بحيث يقفون ويقومون مقام الأنبياء، ويرثون ميراث النبوة، ويدعون إلى الله، هذه الدرجة العظيمة ينزلك عنها، نعم هو لا يريد أن يخرجك من الدين، ولا يريدك أن تترك الحق والخير، لكن ينزلك عن هذا المقام إلى مقام بعيد بالنسبة لهذا وإن كنت من المؤمنين، ومن الأخيار، ومن الصالحين الذين هم على خير ويدخلون الجنة، لكن ليس هذا هو الغرض الذي أنت تريده، ولا هو الشرط أو الصفة التي يريدها الله عز وجل فيمن يريد أن يمكنه وأن يستخلفه وأن ينصر به دينه ويظهره.