ثم يقول: ' والخوارج المارقون الذين أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتالهم، قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين، واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولم يكفرهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وغيرهما من الصحابة، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم، ولم يقاتلهم حتى سفكوا الدم الحرام، وأغاروا على أموال المسلمين، فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم، لا لأنهم كفار، ولهذا لم يسب حريمهم، ولم يغنم أموالهم'.
وهؤلاء الذين ورد النص صريحاً في قتالهم، فـ علي رضي الله عنه يأمره أصحابه ويقول: ابحثوا عن ذي الثدية، فيقولوا: ما وجدناه، قال: والله ما كذبت ولا كُذبت، ويأمرهم بالبحث عنه، وهو رجل -كما في الحديث- له مثل الثدي في يده، فبحثوا حتى وجدوه تحت الجثث فجاءوا به.
فالمقصود أنه مع وضوح قتالهم كالشمس في رابعة النهار، ومع ورود أنهم يمرقون من الدين، وأن صلاتهم وصيامهم لا تنفعهم، وأنهم كلاب أهل النار، وهذه أوصاف نصية قطعية، مع ذلك عوملوا معاملة المسلمين في أحكام القتال، فلم يقاتلوا حتى اجتمعوا وأمرُّوا أميراً فخرجوا عن الجماعة، ثم سفكوا الدم الحرام، ثم لما قوتلوا لم تُسبَ نساؤهم وذراريهم، ولم تُغنم أموالهم، ولم تبطل عقودهم في النكاح وما أشبه ذلك من المعاملات.
يقول: 'وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص والإجماع لم يُكفَّروا مع أمر الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتالهم، فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم' أي: إذا كان اشتبه الحق على بعض العلماء، واستبان البعض لغيرهم، فلا يجوز لهم أن يكفر بعضهم بعضاً، ولا أن يضلل بعضهم بعضاً، والمسألة التي أسوأ من هذا أنه قد يكون البعض ممن ليس من العلماء، ولكنه يضلل العلماء -وهذه أشد- لكن الكلام هنا عن العلماء أنفسهم إذا اختلفوا في مسائل؛ فإنه لا يجوز أن يبغي بعضهم على بعض، ولا أن يضلل بعضهم بعضاً.
والقاعدة في هذه الأمور جميعاً هي: العدل والقسط، وقد أُمرنا أن نكون شهداء لله قوامين بالقسط، وقوامين لله شهداء بالقسط -كما في الآية الأخرى- وهذا هو الميزان الذي يجب أن يكون عند أهل السنة وعند شبابهم جميعاً.