أولاً: مصر وهي أهم دولة عربية، وأكثر دولة عربية تعرضت للغزو التشريعي، وأصبحت مرجعاً للدول الأخرى في هذا، ويوجد في العالم نوعين من أنواع التشريع: ١ - التشريع المكتوب.
٢ - التشريع بنظام العرف والسوابق.
والاتجاه الفرنسي يأخذ بالتشريع المكتوب وبالتقنين، ومصر ومثلها سوريا ولبنان نقلت قوانينها عن القانون الفرنسي، ثم نقلت عنهم بقية الدول العربية، ومن العجب أن السنهوري وهو أكبر قانوني ظهر في مصر، والذي كتب من المجلدات في القانون ما يعدل حمل بعير -نسأل الله العفو والعافية- ولو أنه بذل هذا الجهد الكبير، وأنفق هذا الوقت الكثير في تعلم دين الله وكتاب الله وسنة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لنفع الله به نفعاً عظيماً، ولكن {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ}[الحج:١٨] فاختار أرذل الأمر، وأخذ يبحث في هذه القوانين حتى أصبح كبير القانونيين، وهو الذي وضع القانون المدني المصري، يقول في أول كلامه عن وجود القانون في مصر 'إن واضع القانون المدني المختلط الذي هو أصل القانون المدني المصري هو محامي فرنسي وضعه بطلب من نوبار باشا ' إلى آخر هذا الكلام.
وسوف نقف عند هذه القضية: نوبار باشا رجل ماروني نصراني، وصل به الحال إلى أن يكون رئيساً لوزراء مصر بحكم نصرانيته وصليبيته وحكم ولائه للغرب فإنه قد أتى بمحام فرنسي، فوضع له القانون المدني، ثم يأتي بعد ذلك المنتسبون إلى الإسلام أو من يدَّعون الانتساب إلى الإسلام، ويطورون هذا النظام، ويطعمونه ببعض القوانين الانجليزية والفرنسية والألمانية إلى أن أخذوا من قوانين أمريكا اللاتينية، وأصدروا التقنين الجديد الذي يرون أنه أفضل تقنين وضع، وأصل هذا القانون هو المحامي الفرنسي.
فأمة تترك كتاب الله وتترك سنة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتعرض عما جاء فيهما، وعما استنبط العلماء وتوسعوا فيه من مباحث فقهية عظيمة لا نظير لها في الدنيا على الإطلاق، وتتحدى أحداً أن يأتي بما يناقض هذا الشيء، فتترك هذا كله وتتبع نوبار باشا ومحاميه الفرنسي الذي وضع هذا القانون نقلاً عن القانون الفرنسي حرفياً، وجاء السنهوري ومن معه، وأضافوا إليه، وصار هذا هو القانون المتبع في مصر مع الأسف، ثم من مصر اشتقت أكثر الدول العربية تشريعاتها، والذي لم يؤخذ من مصر أُخِذَ من سوريا ولبنان، وهذه هي المصيبة العظمى التي حاقت بالمسلمين.
يقول دستور جمهورية مصر العربية المادة (١٠٩) بالنسبة لسن الأنظمة: {{لرئيس الجمهورية حق اقتراح التشريع}} كأن يقترح أن يشرع تنظيماً للزنا أو للاغتصاب والمادتان (١١٢،١١٣) تنظمان حق رئيس الجمهورية في التصديق على القوانين والاعتراض عليها، وبعد أن يقر رئيس الجمهورية القانون إما أن يُصَدِّق عليه، فيصبح شرعاً نافذاً، وإما أن يعترض عليه ويرده ويطعن فيه، فالذي يملك حق التشريع هو رئيس الدولة.