للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[التسليم]

يقول: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥] وهذا التسليم هو الذي لا يخطر على البال معه أدنى اعتراض كما كان الصديق رضي الله عنه.

ففي صلح الحديبية كان الصديق رضي الله عنه هو الوحيد من بين الصحابة جميعاً الذي سلم في هذا ولم يعترض، أما ثاني رجل في هذه الأمة في الإيمان والدين، وهو عمر رضي الله عنه فقد أبى واعترض، وقال: {يا رسول الله! ألسنا بالمؤمنين، وأليسوا بالكافرين، قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟!} فكأن الشروط مجحفة وما سلم تسليماً، لكن ليس في ذلك رد لأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو تقديم بين يدي الله ورسوله، وإنما ذلك غيرة منه على دين الله، وحرصاً منه على علو الدين وظهوره وتمكينه وانتصاره على أعدائه, فيرى أن هذه الشروط مجحفة للمسلمين -كما هو ظاهر الحال- فما سلم تسليماً بحيث لا يكون لديه أي ممانعة أو مدافعة أو منازعة، وإذا علمنا ذلك علمنا أهمية أعمال القلوب، وأن التزكية تحتاج إلى صبر ومصابرة ومثابرة ومجاهدة ومحاضن تربوية، وعمل ذاتي من المربي أو المزكي بنفسه ومن المجتمع أو الأمة، حتى تصلح هذه القلوب وتصلح هذه الحالة (حالة الإحسان).

ولهذا يقول عمر رضي الله عنه: [[فأعتقت وتصدقت لذلك] أي: أعتق وتصدق من أجل موقفه في ذلك اليوم, لأنه أنزله عن دائرة التسليم المطلق الذي فعله الصديق رضي الله عنه، وكان الصحابة مع عمر لكن لم يستطيعوا وليس فيهم جرأة عمر رضي الله عنه، فلما رأوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحلق ويتحلل؛ عندها أذعنوا عملياً لمشورة أم المؤمنين رضي الله عنها.