ثم كان عهد المأمون، وكانت الفتنة من نوع آخر، حيث ابتلي المأمون بفتنة الاعتزال والتفلسف، ونتيجة لذلك كان العذاب الشديد على الأمة، التي منها -كما تعلمون- الإمام أحمد ومن معه، وكان من آثار ذلك على المأمون أنه أعلن الخلافة لـ علي الرضا -وهو من أئمة الرافضة الاثنى عشر كما يزعمون- فأراد أن ينقل الخلافة النهائية من بيت بني العباس إلى ذلك الرجل الذي يتستر أولئك القوم وراء الدعوة له وإلى خلافته، ولكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أحبط كيدهم، وكان في تدبيرهم تدميراً لهم، وجاء النصر للسنة.
وظهر أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على يد المتوكل، وقضي على تلك الفئة واندحرت، وبعد ذلك النصر الذي حصل، وبعد وفاة الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- بحوالي أكثر من أربعين سنة، ظهرت في أطراف الكوفة الباطنية وظهر القرامطة الأولون، ولم ينتصف القرن الرابع حتى ملأ الرفض الدنيا شرقاً وغرباً، كما قال الإمام الذهبي رحمه الله.
فكانت الخلافة كما تسمى العبيدية الفاطمية تحكم بلاد المغرب ومصر، كما كان القرامطة يحكمون شمال الجزيرة العربية وشرقها، ويقطعون الطريق على الحجاج، وكان بنو بويه في بغداد وشرقي العالم الإسلامي وهم -أيضاً- من الرافضة.
ولكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أيضاً لم يجعل على أيديهم طمس هذا الدين، ولن يكون ذلك، وإنما استمرت الحرب سجالاً بينهم وبين المسلمين، على جميع المستويات الحربية والعلمية، حتى جاء أواخر القرن الخامس وجاء الصليبيون.
وبمجيء الصليبيين يدخل طرف ثالث خطير في المؤامرة على الإسلام، وذلك أن الصليبيين لما جاءوا كانت أهدافهم وأطماعهم متركزة حول بيت القدس، ومنه ستنطلق خططهم لهدم الإسلام والقضاء عليه.