ثم الصحابة في ذلك درجات في نفس ذلك الأمر، ولهذا لما قال عمر الفاروق رضي الله عنه وهو ثاني رجل في هذه الأمة في الإيمان وفي الدرجة العليا بعد الصديق الأكبر: ' يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي ' وانظروا إلى صدق الصحابة رضي الله عنهم، حيث كان يقول ذلك وهو صادق، ومن الذي يزعم أنه يحب رسول الله أكثر من أصحابه، فمن قال ذلك فهو كاذب كائناً من كان.
فهذا الفاروق الذي يلي الصديق في الدرجة يقول: ' لأنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي -فهل أقره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال: والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الآن يا عمر ' الآن أصبح عمر عمراً، وأصبح فاروقاً، وأصبح على الدرجة المطلوبة التي ينبغي أن يكون عليها عمر ومن يقتدي بـ عمر، وهو أن يكون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب إليه من نفسه {لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين} هذا ما قاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاتباعه وطاعته وتحكيمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل أمر، هي التي تستوجب ذلك وتقتضيه وهي التي تدل وتترجم هذه المحبة، لأنها -كما قلنا- ليست محبة عاطفية، وليست مجرد ميل قلبي، وإنما هي محبة شرعية إرادية اختيارية، وبلا شك أنها مع ميل القلب ومع إرادته، لكن لا نترك ميول القلب وإرادته تذهب ذات اليمين وذات الشمال وإلا لوقعنا في أمور إما أنها انتقاص لمنزلة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإما أنها غلو فيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلو لم تكن محبة شرعية منضبطة بأمر الله ورسوله، فلا بد إذا خرجت عن ذلك أن تذهب تشطح إما يميناً وإما شمالاً، حتى محبة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.