يقول: 'وإن كان مجتهداً في معرفة الحق ولم يصبر، فليس هذا بوجه الحق مطلقاً، لكن هذا وجه نوع حق فيما أصابه، فينبغي أن يصبر عليه، وإن كان مقصراً في معرفة الحق -الطرف الآخر- فصار له ثلاثة الذنوب: أنه لم يجتهد في معرفة الحق' وبعض الناس -مثلاً- قد يقع في أعراض العلماء والدعاة، فيجتمع له ثلاثة ذنوب.
أنه لم يجتهد في معرفة الحق، بل وسمع كلاماً وأخذه على عواهله وردده ونشره.
والثاني: أنه لم يصب الحق.
والثالث: أنه لم يصبر.
فوقع في ثلاثة ذنوب، والآخر قد يقع في ذنب واحد وهو ترك الصبر، ولكن ينبغي ألا يعصى الله لا من هؤلاء ولا من هؤلاء، يقول: 'وأمور القلوب لها أسباب كثيرة، ولا يعرف كل أحدٍ حال غيره بإيذاء له بقول أو فعل قد يحسب المؤذى -إن كان مظلوماً لا ريب فيه- أن ذلك المؤذي محض باغٍ عليه، ويحسب أنه يدفع ظلمه بكل ممكن'.
أي من الخطأ أن يقول شخص: ما دام ظلمني فلان فإنني أدفع ظلمه بأي شيء، ليس كذلك! حتى الذي ظلمك، وأجاز الله لك أن تدفع سيئته بمثلها، أمرك الله كذلك بالصبر والعفو وأنه أفضل، وما أباح لك أن تدفعه بأي شيء أو تقول في حقه ما تريد، وهذه القواعد عظيمة في التعامل بين المؤمنين مهما اختلفوا ومهما أخطئوا، "والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وصف الأئمة بالصبر واليقين فقال:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ}[السجدة:٢٤] وقال: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[العصر:٣] '.
ثم ذكر رحمه الله، أصلاً عظيما وهو: يقول: 'وكثير من الناس قد يرى تعارض الشريعة - يظن أن الأمر متعارض- فيرى أن الأمر والنهي لا يقوم إلا بفتنة' يقول: لا أستطيع أن آمر أو أنهى إلا بفتنة، فيقول: 'فإما أن يؤمر بهما جميعاً' أي: الله أمرني بالأمر والنهي وأمرني بالفتنة، وكيف أمرك بالفتنة؟ يقول: ما دام لا يمكن الأمر والنهي إلا بها، فأنا مأمور بالإثنين، وإن كانت فتنة لا بد أن آمر وأنهى، أو أسكت، فلا أقول الحق حتى لا تقع الفتنة، وهذا هو الخطأ، فيفهم أنه لا بد من الأمرين معاً نفياً أو إثباتاً، وينسى قول الله تعالى:{وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ}[لقمان:١٧] فلا بد أن تأمر وتنهى وتصبر على ما أصابك من الفتن، نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يرزقنا وإياكم الصبر وقول الحق في الغضب والرضا إنه سميع مجيب.