كانت القضية المتعلقة بالمرأة فيما مضى من العصور، قضية آداب وأخلاق وحياء، وهي قضية من قضايا الإيمان الواجب؛ بمعنى: أنه عندما كان العلماء والخطباء والوعاظ يتحدثون عما نسميه نحن اليوم موضوع المرأة- ولم يكن بهذا الاسم- كانوا يتحدثون من أجل الآداب والأخلاق في المجتمع المسلم، لكي لا تنتهك ولتبقى متماسكة.
ولكن الذي حصل في هذا الزمان، أن القضية لم تعد بهذه المثابة فحسب، وإنما هي قضية دين أو لا دين، بمعنى: هل نتبع القرآن كلام الله عز وجل ونتبع هدي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أم نتبع ما عليه اليهود والنصارى، ونقول: إن ما جاء به القرآن قد عفا عليه الزمن ومضى وانتهى؟ فالقضية ليست قضية خلل في الأعمال، أعمال الإيمان، إنما هي خلل في أصل الإيمان، فقضيتنا قضية إيمان وعقيدة، وإن كانت في ظاهرها قضية اجتماعية؛ فالفتاة التي تتحجب في هذا الزمن، تتحجب عن إيمان ودين واعتقاد بأنها تطيع الله عز وجل وهذا هو الحق وأن ما عداه هو الباطل، لا ينظر إليه ولا يؤبه له.
وأما التي تتهتك، أو من يكتبون دعوات التهتك والتبرج والسفور، فإنهم -جميعاً- يقولون بلسان المقال أو بلسان الحال: إن هذا الدين قد استنفد أغراضه وقد عفا عليه الزمن، وقد ذهب إلى غير رجعة، وإنما الأمر اليوم أمر متابعة الغرب، وتقليد تلك المجتمعات المتطورة المتقدمة.
وكون القضية بهذا الشكل يجعلها أخطر مما يظن بعض المربين أو بعض الآباء أو الأمهات، عندما يظنون أن البنت وإن تحررت وإن تهتكت أو تبرجت، فإنها سرعان ما تعود بعد حين كما كانت النساء من قبل، فالفتاة قبل سن النضج ربما فعلت شيئاً من ذلك، ولكنها سرعان ما تعود.
والحقيقة أن الأمر بخلاف ذلك؛ لأن الأمر -الآن- موجه توجيهاً فكرياً يقصد به تحطيم هذه الأمة بتحطيم القاعدة الأساسية التي هي منبع التربية، والتي لا تكون العقيدة والأخلاق والفضيلة إلا من نبعها لأنها هي الأم، وإن مما يثيرونه ويبلبلون به أفكار الشباب قولهم: إن المرأة المسلمة ممتهنة أو مظلومة أو عاطلة عن العمل، وما أشبه ذلك من الدعاوى التي نراها على صفحات الجرائد والمجلات، وفي المحافل وفي كل مكان يستطيعون فيه أن يقولوا أمثال هذا الكلام.
فماذا يريدون به؟ أيريدون إنصاف المرأة؟! أيريدون أن يرفعوا عنها الحيف والخوف؟! أيريدون أن ينزلوها المنزلة التي تليق بها؟! فلننظر إلى حال المرأة في ظل هذا الدين، وإلى حالها في ظل غيره.