للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشباب والفساد]

لو صح أن أحداً يعصي الله عز وجل وهو مظلوم لقلنا: إن شبابنا مظلوم، نعم هذا الشباب مهما فجر ومهما فعل لو نظرنا بالمقياس الشرعي الصحيح لوجدنا أن حالنا معه كما قال الشاعر:

ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء

لا نجد مجلساً إلا ويشتكى من الشباب: الشباب فسد، الشباب أدمن المخدرات، الشباب فعل وفعل، الشباب هذا كيف وكيف، شكوى! ولكن هل واقعنا وحياتنا العامة تدفع هذا الشباب إلى الخير أم تدفعه إلى ما هو أشد من ذلك، وإلى ما هو أوحش وأفحش من ذلك؟ ليس هناك أحد يعذر في معصية إلا من عذره الله، ويجب على هذا الشباب أن يتمسك بدينه، لكن كيف نفتح له جميع منافذ الشر، ثم نقول له بعد ذلك: لا تعص! دعايات تنشر في مجلات كثيرة: تعال إلى حيث المتعة، تعال إلى الليالي الدافئة في بانكوك وكذا وكذا، تخفيض أربعين في المائة على قيمة التذاكر، الفنادق والحجز وكذا وكذا موجود، ترونها جميعاً ونراها جميعاً، تدفع بهذا الشاب المتلهف المتعطش في قوة الشهوة وفي قوة الشبق وقوة الشباب تدفعه وتجذبه، نضمن لك كذا وكذا من أساليب المتعة والرفاهية في العطلة، وقد تنظم مواعيد الرحلات على مواعيد العطل، فمن أراد ذلك فهو لا يحتاج أن يخرم عمله، الأمر منظم ومرتب على مواعيد العطل الأسبوعية أو السنوية، ثم تبدأ تلك الجموع تذهب إلى هناك، فإذا جلس الإنسان هنا، وبلغه خبر أن جثة زميله فلان قد جاءت من مانلا -كما حصل قبل فترات وكما تعلمون ذلك- قال: هذا فاسد، وهذا مجرم وقمنا نتشكى.

نعم هو مجرم، لكن هل نحن مبرعون؟ هل نحن غير مؤاخذين أمام الله عز وجل؟ أم أننا قد دفعناه إلى الجريمة وهيأناها له وفتحنا له أبوابها؟ وكذلك ما يقع داخل البيوت من الشجار ومن الخصام ومن عقوق الأبناء، قلما تجد أباً أو مدرساً أو مربياً إلا ويشكو من عقوق هذا الشباب، ويشكو أنه شباب متمرد، لا يهتم بشيء، لا يبالي بخير أو شر! ولكن نسأل أنفسنا أولاً: على أي شيء ربيناهم نحن؟ إذا كان الأب الذي تربى على الدين وعلى الأصالة وعلى الخلق يُرى فيه التهاون في أعظم أمر، وهو أمر الغيرة وأمر العرض، فيدع المرأة والبنت تذهب مع السائق، فكيف تلوم الابن لو ارتكب أكبر من ذلك؟! فأنت تعصي الله عز وجل فيه وفي الأسرة جميعاً بهذا الخادم وهذا السائق، وتريد ألا يعصى الله فيك بالعقوق؟! لا يمكن هذا أبداً.

فهؤلاء الشباب لا ندافع عنهم، ولكن نقول: إننا مسئولون مثلهم أو أكثر، وإنهم قد يكونون مظلومين في كثير من الأحيان؛ لأنهم لم يعرفوا الحق ولم يعرفوا الخير، وإنما وجدوا أنهم يساقون سوقاً إلى الفاحشة وإلى الفساد وإلى الإجرام، فانساقوا في هذا التيار الجارف، ولذلك - وهذه والحمد لله من بشائر الخير - تجدون الشباب الذي يهتدي ويرجع إلى الإسلام، وهذا الذي يسمى شباب الصحوة الإسلامية الجديدة الذين نراهم في كل مسجد، وفي كل حي، وفي كل مدرسة، بعضهم لما اهتدى بدأ يصرح يقول: والله لأول مرة أسمع أن الغناء حرام، وأن مشاهدة المرأة في الفيديو أو التلفاز حرام، وإذا به اهتدى، وجاء إلى المسجد، وحضر ندوة وندوتين، ثم التحى وترك الفساد.

إذاً لماذا نظلم الشباب؟! فلو أنهم ربوا تربية سليمة لكان فيهم خير عظيم، ولو كانوا يهتدون بأشياء عارضة قليلة، فكيف لو كان التوجيه العام كله على ما أمر الله وعلى ما أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزع هؤلاء الشباب من أيدي الذين يريدون أن يتبعوا الشهوات، ويريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.

فنسأل الله تعالى أن يردنا إليه رداً حميداً وأن يبصرنا في ديننا وأن يفقهنا فيه؛ حتى نعلم مقدار ما شرفنا الله تعالى به من التوحيد، ومقدار ما أذل الله تعالى به أعداءنا من الشرك، فلا نواليهم ولا نحبهم، ولا نسافر إلى بلادهم، ولا نستقدمهم إلى بلادنا، ولا نعاملهم بأية معاملة إلا على وفق ما شرع الله في حالة الاضطرار التي أباحها الله تبارك وتعالى، ونسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لنا ولكم ذلك وما هو خير منه، والحمد لله رب العالمين.