[واجبنا حيال هذه القضية]
فالواجب علينا أن نناصر إخواننا المؤمنين، وأن ننصر الإسلام في كل مكان؛ فإن لم نفعل فلا أقل من أن نسكت، ونتق الله؛ أما أن نكون مثل الكاتب الذي كتب أن موقظو الفتنة هم عباس مدني وأتباعه، ونحن لا يهمنا من كان، ولكن الذي يهمنا هو: ما هي الفتنة؟ إنها الشرك بالله تعالى، يقول الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال:٣٩] فالفتنة في هذه الآية هي الشرك كما في الحديث الصحيح، فعندما يطالب أحد بكتاب الله فهل هو داع إلى الفتنة؟ أم أن صاحب الفتنة هو الذي ضحى بمليون شهيد من الشعب، ومع ذلك يحكم بالاشتراكية اللينينية الماركسية فأيهما أيقظ الفتنة؟ وأيهما يقف ضد الحق، وضد إرادة الشعب؟! فالمسألة واضحة.
ولذلك نهيب بكم جميعاً -أيها المسلمون- بالاهتمام بهذه القضية، وألا ننساق وراء الإعلام الغربي المضلل، فالغرب -والله- لا يريد لنا إلا الشر، فهو يشوه قضايانا في إعلامه، وفي إذاعاته، فعندما نأخذ الأخبار منهم، أو ننقل أخبارنا مباشرة مما يقولون، فنحن بذلك نرسخ ما يريده، ونحن بذلك نحقق له أهدافه، فنحن مؤمنون، ولا بد أن نكون مع إخواننا المؤمنين، ومع قضايانا الإسلامية في كل مكان، ولا تستغفل عقولنا، فنسمع مثلاً أن دبابات الجيش نزلت إلى الشوارع، ونرى نبالاً وسكاكين، فننزل الغضب على هذه، وننسى صاحب الدبابة والمدفع لأن هذا من استغفالهم لنا، ولأنهم وجدوا أن عقولنا -مع الأسف- لا تدرك كثيراً من الأمور، فلَبَّسوا علينا ذلك.
هذه نصيحة أخ لكم في الله، وأرجو أن تصل -هذه النصيحة- إلى هؤلاء الصحفيين الذين لا يخافون الله، فلم يعدلوا، ولم يأمروا بالمعروف، ولم ينهوا عن المنكر، بل وليتهم سكتوا! حتى لا يفضحونا في ذلك البلد الذي سكانه ثلاثون مليون مسلماً -والحمد لله- وبلد يقول الغرب عنه: إنه بعد عشرين سنة أو أقل سيصبح سكانه أكثر من سكان فرنسا الأم، وفهم يخافون منه؛ وأكثرهم من الشباب، فنسبة الشباب في الجزائر تعد من أعلى النسب في العالم، من بين السكان شباب متحمس ويريد الإسلام، وهو ما يهدد بأن ينتهي الغرب، وتنتهي مصالحه، وهو الذي يخشاه، ويخافه الغرب.
ولذا فإنهم يضللوننا عما يجري وعما يحدث في الجزائر، فهذا البلد إذا سمع أن أهل هذه البلاد الطاهرة المقدسة، والذين يدينون الله تعالى بعقيدة التوحيد -والحمد لله- وعندهم العلماء، وفي بلادهم الحرمين الشريفين، وأن موقفهم منهم هو نفس موقف الإعلام الفرنسي والغربي، سُقط في أيديهم، وسيشعرون بالمرارة والألم، أكثر مما يشعرون به إذا رأوا أولئك المتفرنجين وأتباعهم ولا يقف أحد أمامهم.
فمن المفروض أن يروا منا التشجيع والتأييد والنصح، وإذا رأينا فيهم خللاً أن ننصح لهم، فنحن إلى الآن لم نر في صحافتنا نقداً للحزب الاشتراكي الحاكم، إني لم أر ذلك، لماذا؟ يقولون: لأن هناك اتفاقات دولية، تنص على ألا نتكلم في الدولة الفلانية، فنقول: لماذا لم يطبق هذا أيام أحداث الخليج، فجميع صحف الجزائر -كما بلغنا- وكل الأحزاب فيها، بل والحكومة فيها أيضاً، كلهم كانوا ضد المملكة في حرب الخليج.
إذا كان الصحفيون يريدون هذا، فلماذا نحن الآن لا نتكلم إلا عن الإسلاميين فقط، وأما الاشتراكيون الذين وقفوا ويقفون مع حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق، فلأنهم تجمعهم الاشتراكية والعلمانية، لم نتكلم عليهم أبداً، فإذا قيل لهم: ولماذا تتكلمون عن هذه الجبهة؟ قالوا: لأنها وقفت في حرب الخليج في غير موقفنا، فنقول لهم: كلهم كانوا في غير موقفنا، فالصحافة الحكومية كانت تسخر منا، بل إنها رسمت كاريكاتيرات تسخر منا، وهي صحيفة الحزب الحاكم.
وأما المسلمون أو الإسلاميون فما بلغنا عنهم شيء من ذلك، وإنما قرأنا عن تعاطفهم مع الشعب العراقي -فقط- ضد الأمريكان، لكنهم يكرهون صدام أشد الكره، ويعتقدون بكفر حزب البعث.
فيجب أن لا نصدق ما يقال، فالقضية ليست بالشكل الذي صُور لنا، والمسألة ليست كذلك، فهذا الأمر أخطأ فيه كثيرون، وأصاب فيه كثيرون كذلك، فقدكانت فتنةً عمياء، والتبست على أكثر الأمة، وهذا الحال ليس خاصاً بالجزائر فقط، بل إن معظم العالم الإسلامي قد تعاطف مع العراق، ليس حباً في صدام، ولكن كرهاً لأمريكا.
فالواجب علينا أن نتق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في هذا الأمر، ولا ننظر لهذه الأحداث على أنها أحداث أو وقائع فقط، بل ننظر إلى أصل العقيدة والمبدأ، وأصل العدل والدين حتى نكون مع المؤمنين لا مع المجرمين، ومع المطالبين بكتاب الله لا مع المطالبين بالدساتير العلمانية الملحدة الكافرة.
فدستور الجزائر الذي تسير عليه جبهة التحرير الحاكمة الآن، دستور كفري وإلحادي، ومن عجائب هذا الدستور أنه يتيح لفرنسا التدخل في الجزائر، إذا اقتضى الأمر، فأين الاستقلال والعدو يتدخل فيهم؟ ولهذا قال ميتران إذا فاز الأصوليون قد أتدخل في الجزائر مباشرة، كما تدخل بوش في بنما ' هذه كلمة سمعتموها جميعاً من قبل.
ولذلك أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وأن نناصح هؤلاء، والحمد لله جاءت هذه الفتوى بَقَدرٍ من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعني كلام الشيخ محمد، الذي وجه بمناصحة من كتب من هؤلاء في الصحافة وغيرها، ثم إنه ليس في الكلام من بينة إنهم واسمعوا إلى ما تقوله الصحافة فيهم تقول: أبعد ما يكونون عن الصدق، لأنهم انتهازيون ونفعيون، وهم أقدر الناس على المخادعة والمراوغة، وهذا كلام مجرد ليس فيه أدلة، فأين الأدلة على ذلك، كان عليهم أن يقولوا: لقد صرح بكذا، وله كتاب كذا، وله خطبة كذا.
فنرى أن القول بالمراوغة والمخادعة يمكن قولها لأي أحد، وهو بريء، لكننا نريد حقائق أولاً.
قبل أن تتكلم.
وقد رأينا عندما أضرب الناس وخرجوا إلى الشوارع، فقال الحزب الحاكم: الإضراب بسيط، ولا يؤثر في الحياة، وليس فيه مشكلة، فما دام الأمر كذلك! فلماذا نزل الجيش والدبابات والغازات إلى الشوارع، وبقي أسابيع لم ينته.
إذاً الناس يريدون الإسلام، وهؤلاء يحولون بينهم وبينه.
فنسأل الله أن يهدي ضال المسلمين إلى الحق، وأن تصل هذه النصيحة إلى مثل هؤلاء الكُتاب، وأن يتقوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وما هي إلا كلمة حق وإنصاف كما أمرنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالعدل، فإذا أردنا أن ندرس حال الدعوة الإسلامية في الجزائر وغيرها، من خلال ما لها وما عليها.
فإن الذي يبحث في مثل هذا الموضوع هم العلماء المختصون بالدعوة، ينقدون حركة عباس مدني، ينقدون حركة حسن الترابي، وحركة راشد الغنوشي فإن أي حركة من تلك الحركات، تُنقد ما لها وما عليها، من خلال الكتاب والسنة النبوية والأدلة الشرعية، وهذا النقد مفتوح، وليس أحد فوق النقد كائناً من كان، وإن غضب من يغضب، فلا يهمنا غضبهم في تلك اللحظة، لكن لا نريد من الدعاة والصالحين أن يغضبوا منا لأننا وقفنا مع أعداء الإسلام، فليس هذا من العدل، بل إن هذا الغضب من حقهم إن كان الأمر كذلك.
وقد يقول قائل وكلامه صحيح: ألا تعتقد أن السكوت عن ظلم المسلمين في الجزائر هو مشابه لما حدث في حرب الخليج، في العراق؟ وأن السكوت عليهم سيجعلنا بعد فترة ننساهم، ولا نذكر ما حصل على إخواننا في الجزائر، إلا عندما تسوء العلاقات السياسية بين البلدين؟ فأقول: نعم، هذه هي المشكلة، فإنه لا يمكن أن يقف أحد مع الظالم على المظلوم إلا ويحوجه الله -عز وجل- أن يقف معه المظلوم، ونعوذ بالله أن يكون قولنا من بعد ثلاث سنوات أو أربع: هؤلاء كانوا مجرمين، أو كانوا مفسدين، أو ضربوا الحركة الإسلامية، أو أن يكتب أحدنا هذا الكلام، مثل هذا الصحفي، فنحن أمرنا الله بالعدل والقسط في الغضب والرضا، في العداوة والمحبة، فنقول الحق في كل وقت ولكل أحد، وإلا فلا فرق بيننا وبين أي انتهازي، أو كاتب صحفي مأجور في أي جريدة من جرائد العالم.