للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرك الإلهية وأقسامه]

يقول: 'والنوع الثاني شرك من جعل معه إلهاً آخر, ولم يعطل أسماءه وربوبيته وصفاته كشرك النصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة' ويقصد شرك الأنداد، فهؤلاء لم يعطلوا أسماءه وصفاته, لكن قرنوا به غيره، فهم يرون أن الله عظيم وجليل وقدير وسميع وبصير, لكن يقولون: هذه الصفات للربِّ يسوع, ويسوع هذا ابنه أو الأقنوم الثاني, تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً!! ثم قال: 'ومن ذلك شرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور، وحوادث الشر إلى الظلمة' كما قال الله تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النحل:٥١] فالمجوس جعلوا الإله إلهين: إله النور وهذا خير كله، وإله الظلمة وهو شر كله.

ثم قال: 'وشرك القدرية الذين يقولون: إن العبد يخلق أفعاله'.

وذكر من ذلك الشرك: شركَ الذي حاجَّ إبراهيمَ في ربِّه، ففرعون قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:٢٤] والذي حاج إبراهيم في ربه، ما ادَّعى الربوبيةَ المطلقة, لكنه ادَّعى صفةً من صفات ربِّ العالمين سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, فقال: {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة:٢٥٨] إبراهيم عليه السلام أراد أن يُعَرِّفَهُ بربِّ العالمين، بالصفةِ التي لا يشترك فيها معه غيره، فكان مدخل إبراهيم عليه السلام أفضل وأكثر وسيلة للإقناع (يحي ويميت) لكن جاء الرجل من باب المغالطة قال: أنا أحيي وأميت، فجاء إبراهيم عليه السلام من باب الإلزام, ولو شاء لقال له: إن إحياء الله من العدم, أما أنت فلم تحيه من العدم!! وهنا تتبين قاعدةٌ من قواعد مجادلة المشركين والمجرمين وهي أنه ليس شرطاً أن تردَّ على الكلمة بنفس الكلمة, وأحسن من ذلك أن تأتي بشيء واضح جداً, يدمغ به قول الخصم, كما قال بعدها: {إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة:٢٥٨] مع أن هذا الرجل لم يقل مثل ما قال فرعون: أنا ربكم الأعلى، إنما قال ما يفعله الله أنا أفعله، لكن الخليل عليه السلام جاء بشيء لا يمكن أن يأتي به فقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة:٢٥٨] فلم يستطع {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة:٢٥٨].

إذاً: هناك نوع من أنواع المجادلة العظيمة التي علمنا الله إياها من خلال ما قصه عن إبراهيم عليه السلام ومن يعبد الكواكب ويعبد النار.

ثم يقول رحمه الله: 'ومنهم من يزعم أن معبوده هو الإله على الحقيقة، ومنهم من يزعم أنه أكبر الآلهة' وهذا الكلام الذي نحن نحكيه واقع في الغرب عند الذين يدعون أنهم أهل العقول وأهل الحضارة، فاليونان جعلوا لكل شيء إلهاً أو رباً! -تعالى الله عما يشركون- فالجمال له إله، والمطر له إله، والجبال لها إله، والنور له إله، والشمس لها إله، والشعر له إله، فأيُّ شيء تتصوره في بالك فله عندهم إله، ثم قالوا إن هذه الآلهة تتصارع، هذا الإله يصارع هذا الإله، وغير ذلك من الأساطير الخرافية التي توجد في تواريخهم وعقيدتهم.

فمع هذه الوثنية المنحطة التي يترفع عنها العقل تنسب إليهم الفضائل والحضارات والعلم! ثم ينقل هذا إلى بلاد المسلمين، مثل "فينوس" آلاهة الجمال، و"أبوللو" إله الشعر، و"أطلس" إله العالم الذي يقولون عنه أنه يحمل العالم على ظهره، فتستخدم وتطلق عندنا كما فعل الخبيث نجيب محفوظ في ثلاثياته التي أخذ عليها الجائزة الصهيونية -كما سماها هو قبل العالم الذي أخذها فيه؛ حيث قال: لا يأخذها إلا صهيوني- ففي هذه الثلاثية يذكر قصة مصرية قديمة وفيها أن الآلهة غضبت والإله رضي وهكذا ولا يتحرجون أن يقولوا: آلهه أو إله غير الله، ونحن المسلمين نقول: لا إله إلا الله, وهو شعارنا وكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) ولا تطلق هذه على أحد غير الله تبارك وتعالى.