مقدمة المقدم: الحمد لله نحمده ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن الله عز وجل خلقنا لأمر نفعله وسنسأل عنه يوم القيامة، وهو أول ما نسأل عنه، وهذا الأمر هو ما افترضه الله عز وجل علينا، وما أخذ عليه العهد منا ونحن في صلب أبينا آدم؛ لأن الله أوجدنا في هذه الأرض لنحقق ما افترضه علينا والقيام بواجبه، وقد أقسم الله في غير ما آية من كتابه أن من أخل به فإنه خاسر، قال الله تعالى:{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[العصر:١ - ٣] وقال الله عز وجل: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}[التين:١ - ٦].
وإن الإيمان أعظم واجب كلف به الإنسان في هذه الحياة، فهو حق الله عز وجل على عباده، من حققه كان له الفوز والفلاح والنجاح وكان له التمكين في الأرض، ومن أخل به كان له الخسران المبين، ولا فرق في ذلك بين الأمم أو بين الأشخاص، فالكل سيَّان في ذلك، سواء نظرنا في هذا الموضوع إلى البشرية كأمم، أم نظرنا إليها كأفراد، فالكل مطالبون بتحقيق الإيمان، فإن حققته الأمة كتب الله لها التمكين في الأرض، وكتب لها النصر والعزة، وإن أخلت به كتب الله عليها الذلة والصغار، ثم محقها وسحقها، ولنا فيما قص الله عز وجل علينا في كتابه من إهلاكٍ للأمم الماضية أكبر واعظ، وأكبر دليل على أن من أخل بالإيمان فإنه يبوء بالخسران في الدنيا قبل الآخرة قال تعالى:{وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى}[طه:١٢٧].
وكذلك إذا كان الإخلال في الإيمان على مستوى الأفراد، فإن من أخل بالإيمان فإن له الخسران المبين في الدنيا والآخرة، وهذا ما سنتناوله لاحقاً في نتيجة الإخلال بالإيمان، ونتيجة إقامة الإيمان -أي ما الذي يترتب على إقامة الإيمان؟ - سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الأمم، وما الذي يحصل للأفراد وللأمم إذا أخلوا بالإيمان؟ يقول الشيخ سفر: الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد المبعوث رحمة للعالمين، الذي علَّمنا الإيمان والتوحيد، وحذرنا من الشرك والضلال والبدع، وربى خير أمة أخرجت للناس فقامت أعظم أمة في تاريخ الإنسانية، أعظمها إيماناً وعدلاً، وأخلاقاً، وأطيبها حياةً في هذه الحياة الدنيا، وأسعدها عند الله تبارك وتعالى في الدار الآخرة.
أما بعد: فإن الحديث سيكون عن أثر الإيمان في بناء الأمم والأفراد -والكلام القادم- سيكون عن أسباب انهيار الأمم، ولماذا تنهار أمم وشعوب؟ ولماذا تبقى غيرها؟ فالأمر يحتاج إلى وقت طويل؛ ولكن خطورة الأمر وأهميته هي التي تجعلنا نتحدث عنه بما يفتح الله تبارك وتعالى به علينا.
وإن مما يدلل على أهمية هذا الأمر أن دعاة الحق والإيمان والسنة، حينما يدعون الناس وأنفسهم إلى كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلى الاقتداء بمنهج السلف الصالح في كل أمورهم العلمية والعملية، فإنهم إنما يدعون الأمة إلى الدواء الذي يشفي بإذن الله تبارك وتعالى من كل داء، ويكفي عن كل علاج؛ إنه الدواء الذي يستأصل جميع الأمراض من قلوب العباد -وأمراض الأمم عامة- ويمنع أسباب الانهيار التي يتعرض لها الفرد أو تتعرض لها الأمة.
وإننا حين ندعو الناس فنقول: عودوا إلى كتاب ربكم وسنة نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن الأمر لا يعني تعصباً لمذهب معين، ولا يعني قسراً وفرضاً للناس على رأي من الآراء البشرية أبداً، ولكنه دعوة إلى سعادة الدنيا والآخرة، ودعوة إلى المنهج القويم الذي يضمن ويكفل للإنسانية أفراداً وشعوباً أفضل الحياة في الدنيا، ويحقق لها النجاة من العذاب في الآخرة.