للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب تغيير اليهود لحد الزنا]

قال: 'وفي إحدى الروايات أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى، ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا: يحمم ويجبه ويجلد} '.

نعوذ بالله!! مع أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنشدهم بالله الذي أنزل التوراة على موسى! قال: {وسكت شاب منهم، فلما رآه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سكت، ألظ به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النشدة -شدد به لأنه سكت- فقال: اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فما أول ما ارتخصتم أمر الله}.

أي: كيف بدأ عندكم هذا، حيث تترخصون أمر الله وتتركوه وتعرضوا عنه، قال: {زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا، فأخر عنه الرجم، ثم زنى رجل في إثره من الناس -من العامة- فأراد رجمه -فأراد الملك من بني إسرائيل أن يرجمه- فحال قومه دونه وقالوا: لا نرجم صاحبنا، حتى تجيء بصاحبك فترجمه}.

فصارت مشكلة، إما أن يرجم قريب الملك ويرجم معه العامي من الناس، وإما ألاَّ يرجم هذا ولا هذا.

فقال: {فاصطلحوا هذه العقوبة بينهم}.

فقالوا: أحسن شيء ألا نرجم هذا ولا هذا، وهذه الرواية يهمنا منها موضوع التاريخ، كيف ارتخصوا، وكيف اصطلحوا.

وفي رواية أخرى ذكرها من رواية الإمام أحمد عن البراء بن عازب وهي في الصحيحين، قال: فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم، فقال: لا والله، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا حتى نجعل شيئاً نقيمة على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه -وهذا من مناقبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: فأمر به فرجم، قال: فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [المائدة:٤١] إلى آخر الآيات}.

إذاً هم بدلوا كتاب الله، واصطلحوا فيما بينهم، وتكاتموه فيما بينهم، واصطلحوا على هذه العقوبة، واجتمعوا على التحميم، وهذا هو مناط التكفير، وهو الاصطلاح والاجتماع والاتفاق على حكم غير حكم الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما من فعله خطأً وجهلاً ولا يعترف به، ويقول: أنا لم أحكم إلا بما حكم الله! ولا يجوز أن نحكم إلا بما أنزل الله! وأنا أستغفر الله! فهذا لم يدخل في هذا، وهذا لم يصطلح ولم يتكاتم مع غيره.

إذاً: نريد من هذه العبارات الدقيقة المهمة أن نفهم حتى نعرف مناط الحكم، ولماذا كان الحاكم بغير ما أنزل الله، المتبع لشرع غير شرع الله، والمتبع لقوانين وضعية عاملاً بها يكون كافراً خارجاً من الملة.