ويقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الذي رواه مسلم:{لتؤدنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يُقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء}.
وأكثرُ الناس لا يفطن لهذه الأمور، ولما مر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعنزين قال:{أتدري فيم تنتطح هاتان؟ قال: لا.
قال: ولكن الله يعلم، وسيقضي بينهما يوم القيامة} فكيف بالمسلمين؟! فَمِنْ عَدِلَ الله يوم القيامة أن يُؤدي الحقوق إلى أهلها حتى يُقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء فهذا مثال وعبرة للناس.
وكل إنسان يناطح مما أعطي له، فبعضهم يناطح بالمال، وبعضهم يناطح بالجاه والمنصب، وإنما يناطحون من لا قرون لهم، ممن لا مال لهم ولا جاه ولا منصب.
ولذلك خيرٌ للإنسان في الدنيا أن يُظلم ولا يَظلِم، وخير له أن يُغتاب ولا يغتاب، وخير له أن يُسب ولا يَسب وهكذا.
وكن عبد الله المقتول أو المظلوم، ولا تكن عبد الله القاتل أو الظالم، فإن الحساب يوم القيامة، وإذا كانت البهائم تقاد بينها فما بالكم ببني آدم؟! وهناك فرق بين حال البهائم، وحال بني آدم في العاقبة، وذلك أن البهائم إذا اقتيد لبعضها من بعض يقول الله لها: كوني تراباً! أما أولئك فإنهم يؤمر بهم إلى النار، فإذا رأوا عذاب الله، ورأوا عاقبة أفعالهم وسوء المصير والخزي والندامة التي تحل بهم، وأنه لا يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو أفتدى به، تمنى أحدهم، وقال:{يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً}[النبأ:٤٠]، فأحقر حشرات الدنيا، وأوهن البهائم وأمرضها التي تضرب وتهان، يتمنى الكافر يوم القيامة أنه كان مثلها -لأنه يقال لها: كوني تراباً- وأنه لم يكن، صاحب الجاه، أو الملك، أو السلطان، أو القوة الذي كان يستعلي على عباد الله تعالى ويظلمهم ويأخذ حقوقهم، فبعد أن يوقف للقصاص حتى يأخذوا حقوقهم كاملة يوم القيامة ويستوفوها بين يدي عزيز عليم، فإنه يؤمر به إلى النار.