وأما النوع الثاني من أنواع الشرك فهو: الشرك في عبادته وحقوقه ومعاملته، يقول رحمه الله: 'فهو أسهل من الذي قبله وأخف -قال: فإنه يصدر ممن يعتقد أنه لا إله إلا الله, وأنه لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع إلا الله, وأنه لا إله غيره ولا رب سواه' فهذا أخف من حيث أن فاعله قد وقع في اللبس؛ كما قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}[الأنعام:٨٢] أي بشرك العبادة، فهذا مقر أنه لا إله إلا هو، ولا خالق ولا نافع ولا ضار إلا هو سبحانه، بل هو مؤمن بأسمائه وصفاته, لكنه غير مخلص لله تعالى في معاملته وفي عبوديته، بل يعمل لنفسه تارة، ولطلب الدنيا تارة، ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الناس تارة، قال: 'فلله من عمله نصيب, ولنفسه من عمله نصيب, ولشيطانه من عمله نصيب' وهذا هو الشرك الأصغر أجارنا الله منه.
قال: 'وهذا هو الذي قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه فيما رواه ابن حبان في صحيحه، قال:{الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل, قيل: وكيف ننجو منه يا رسول الله؟ قال: قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم ' لأنه لا بد أن نقع فيه, فنستغفر مما لا نعلم، ونستجير ونستعيذ مما نعلم.
ثم قال: 'فالرياء كله شرك قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:١١٠] وهذا الشرك في العبادة يبطل ثواب العمل' فلو صلى لغير الله أو حج أو زكى لغير الله، فهذا كافر مشرك لا شك فيه، لكن إذا صلى مراءاة من أجل الناس، ومن أجل أن يقال عنه مصلٍ أو يُثْنَى عليه بخير، وبعض الناس -والعياذ بالله- ابتلوا بهذا الابتلاء، كما يذكر العلماء مثالاً: أنَّ أعرابياً كان يصلي فدخل عليه بعض السلف فحسن صلاته، فقال هذا العالم:(أعرابيٌّ ويصلي هذه الصلاةَ الخاشعة!!) فلما سلم الأعرابي قال: (ومع ذلك أنا صائم)!! -عافانا الله وإياكم من هذا البلاء- فلا يأمن الإنسان على نفسه أبداً أن يكون من هؤلاء، ممن يحب أن يُحْمَدَ بما لم يفعل، ويراءون الناس، ومن علاماتهم أنهم لا يذكرون الله إلا قليلاً.
والمؤمن في باطنه مع ربه خير منه في ظاهره، أما أن يُذْكَرَ الإنسان بالخير, ويُثْنَى عليه بما هو فيه، فتلك عاجِل بشرى المؤمن، لكن لا يعمل من أجلها، فهناك فرق بين أن يعمل من أجل حصول هذه البشرى، وبين أن تقال عنه؛ ولا شك أن الإنسان لا يريدُ أنْ يقال عنه السوء, ويَأْلَمُ إذا قيلت عنه مقالة في عرضه أو دينه أو في إيمانه ولا ترضيه، لكن هذا أمر وذاك أمر آخر، فهذا يحبط العمل؛ كما قال الله تعالى في الحديث القدسي:{أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه وأنا منه بريء}.