يذكر ابن القيم رحمه الله تعالى بعد هذا الكلام أمثلة عظيمة جداً ونافعة، رداً على جميع الطوائف، مما يدل على ما له من الفقه والحكمة، فإنه رد على جميع الطوائف من خلال هذه القاعدة العظيمة، وهي قاعدة أن شر الذنوب وأعظمها وأقبحها هو سوء الظن بالله، وهو الذي أوقع في الشرك.
يقول بعد أن ذكر الآية:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ}[الحج:٧٣]: (الله أكبر! كل من يعبدون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له، وأيضاً:{وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}[الحج:٧٣]).
يعني: هذه الآلهة من البشر أو من الشياطين أو غيرهم ضعفهم كضعف الذباب! ومع ذلك لو أنه أخذ شيئاً منهم لا يستنقذوه منه، بل هم أضعف:(ضعف الطالب والمطلوب) ثم قال: {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}[الحج:٧٤] أي: لم يحسنوا الظن به، يعني: أساءوا الظن بالله، ولهذا ما قدروه حق قدره، ولا عرفوه حق معرفته، فالإله عندهم كما هو عند كثير من الغافلين عندما تكلمه عن الله، تعالى الله عما يصفون كأنك تكلمه عن أي شخص، بل ربما لو كلمته عن بعض المخلوقين الذين لهم هيبة وقوة لارتجف وأرعاك أذنيه لكن إذا قلت: يا أخي اتق الله! يا أخي! أنا أخبرك بكلام الله، فتجده غير مبالٍ ما قدر الله تعالى حق قدره، ولا عرفه حق معرفته.
ولهذا قلنا كما تحدثنا في درس سابق: إن مشكلة الناس في جميع العصور والأوقات، وفي كل زمان ومكان، أنهم ما عرفوا الله، وما قدروا لله قدره، فأشركوا به، اتبعوا شرائع البشر وتركوا شريعته لسوء ظنهم به، ولأنهم ما قدروا الله حق قدره أحبوا بعض الخلق أكثر من محبتهم لرسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم ما قدروا الله حق قدره حتى يعرفوا قدر رسوله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء منهم من يدعي أنه يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.