ولابد من الإشارة إلى أنه من الخطأ أن نسأل أصحاب القوانين الوضعية الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، ويأصلون ويفرعون، ونقول لهم: هل تقرون بحكم الله أو لا؟ وهل تفضلون القوانين الوضعية على حكم الله أو لا تفضلون؟ وبناءً على هذا السؤال نحكم عليهم، فهذا ليس بسديد، لأن الله تعالى قد فطر النفوس على أنها تختار الأفضل وتفعله، ولهذا إذا كان هناك طالب في كلية ما، ثم تركها وانتقل إلى كلية أخرى فهل يتصور أنه يفضل الكلية التي تركها؟ لا؛ فإن هذا لا يفعله عاقل، ولهذا فلا نحتاج أن نسأله: هل تفضل الكلية التي انتقلت إليها أولاً؟ بل السؤال الذي ينبغي أن يطرح: لماذا فضلت هذه الكلية على غيرها؟ هذا سؤال العقلاء، وهكذا من خطب امرأة ثم عدل عنها إلى أخرى وعلى ذلك فهؤلاء القوم المحكِّمون للقوانين الوضعية لا يُسألون هل هم مفضلون لهذه القوانين اللعينة على شرع الله وحكمه أم لا؟ فالإقرار اللفظي هنا لا قيمة له.
ومثالهم -كما قد بينا- مثال اليهود والنصارى المقرون بنبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولمَّا ينقادوا له ويتبعوه، فلم ينفعهم ذلك الإقرار، وذلك الاعتراف.
وهذه المسألة مرتبطة بما يذهب إليه أهل السنة والجماعة، من أن الإيمان قول وعمل، قول بالقلب واللسان، وعمل بالقلب واللسان والجوارح، فلا ينفع قول بدون عمل القلب وعمل الجوارح، فتنبه! ومن الجهل بمكان أن نظل نتلمس المبررات والحجج الواهية، لمثل هؤلاء المشرعين للقوانين الوضعية، وشبيه هذا من يقول: عبادة الله أفضل، وليله ونهاره وهو يذبح للأصنام ويدعوها وينذر لها! فلا يعد هذا مؤمناً ولا كرامة.
والقصد أن هؤلاء الذين يقيمون هذه الأحكام في بلاد المسلمين ويتبعون هذه الشرائع ويلزمون المسلمين بها، خارجون عن الملة، ومهما انتسبوا إلى الإسلام فلا حقيقة لهذا الانتساب، وهذه الأنظمة غير شرعية إطلاقاً -الشرعية بالمعنى الإسلامي لا الشرعية الدولية والشرعية القانونية- فنحن لا نعترف بشرع غير شرع الله، فإذا قلنا: هذه الشرعية، فمعنى ذلك أن الله تعالى أذن بها وشرعها وأنزلها، أما غير ذلك فغير شرعي، وهذا الذي يجب أن يعتقده كل مسلم، وأن يعلم أنه من صميم عقيدة أن لا إله إلا الله التي معناها الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، قال تعالى:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[البقرة:٢٥٦] والطاغوت هو الذي قال الله تعالى فيه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ}[النساء:٦٠] والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لما ذكر أنواع الطواغيت الخمسة، ذكر نوعين من الخمسة، أحدهما: إبليس، وهو خارج عن البشر، والأربعة من الإنس: نوع هو الحاكم بغير ما أنزل الله، والآخر الحاكم الجائر المغير لأحكام الله.
أي: أن نصف طواغيت البشر هم في طواغيت الحكم والتشريع كما هم في طاغوت العبادة، وادعاء علم الغيب والكهانة، فهذا شرك وذاك شرك، وهذا طاغوت وذاك طاغوت.
فلا ينبغي للدعاة أن يتحدثوا عن جانب من الشرك، ونوع من الطاغوت، ويهملوا الآخر، وإنما الواجب أن يتكلموا في كل طاغوت، وفي كل نوع من أنواع الشرك بمقدار خطره وانتشاره في البيئة، لكن نحن الدعاة في الجملة يجب أن تكون نظرتنا متوازنة ومتساوية لهؤلاء.