للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضرورة إنكار المنكر]

السؤال

ما رأي فضيلتكم في صحيفة الشرق الأوسط؟ وكيف نتعامل مع ما تنشره من أباطيل؟

الجواب

هذه الصحيفة تجعل الواحد منا يتعجب منها في مرات عديدة، ومنها أنها كتبت عن قرية في سينا وهذه القرية مشهورة نساؤها بالحجاب، فهذا يدل على أن الحجاب ليس غريباً على مصر ولا سينا، وهو الذي جعل هذه المجلة تكتب عنها مقالاً فقالت: 'إن النساء فيها يتحجبن' ونشروا هذا الخبر العجيب، وصوروا النساء وأجروا مقابلات، بأن المرأة لا يراها أحد ولا تكشف وجهها ولا يراها إلا المحارم، فما وجه الغرابة في هذا؟ كأن المفاهيم الغربية قد رسخت فينا حتى أصبح الحجاب غريباً، وأيضاً ينشر هذا الكلام في مجلة سعودية وأكثر ما تباع في المملكة.

يقال: هناك بلاد بعيدة في صحراء المرأة تتحجب، ونحن هنا -والحمد لله- نساؤنا محجبات، وهكذا إذا انتكست المفاهيم نسأل الله العفو والعافية.

أيضاً لهذه صورة لامرأتين لا يُرى منهما شيء، يقول هذا الكلام في عمان عام (١٩٤٢م) صورة تُعبِّر عن الفتاة كما كان الحال في السابق، وإلا فهي كما هي في الصفحة الثانية مثل هذه العرايا، نعوذ بالله، فماذا يريدون منا ومن نحارب في هذه الحالة؟ هذا الكلام لو كتبته مجلة أمريكية أو فرنسية، ولو قلنا بعض الدول العربية فإن هذا يحتمل، لكن أن يكون ذلك مجلة سعودية، وتعلم أن الله تعالى قد فرض الحجاب وأمر به فهذا غريب.

كما أن أكبر سوق تباع فيها هنا، والقائمون عليها من أبناء هذه البلاد، وتتعجب أنه بقي من النساء من تحتجب، وتنشر هذا الخبر، وهذا والله مؤلم جداً، وهذا مؤذن بعقوبة من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لا للمجلة هذه، فإن الله قد ابتلاها بعقوبات كثيرة لا يعلمها الكثير، حيث ابتليت بمدراء تحرير نهبوا أموالها، جمعوها من حرام فذهبت في حرام والحمد لله، وابتليت بمصائب كثيرة، ولكن نخاف نحن أن نُبتلى؛ لأن هذه الشركة سعودية، ولها ميزات وتخفيضات، وتشتريها الدوائر الحكومية، والمصالح والمؤسسات؛ ولها ميزات كما لكل المجلات المحلية، بل ربما أكثر، وفي نفس الوقت نسوقها ونروجها، ففي أية بقالة تلقاها، وهي تنشر مثل هذه السموم ومثل هذا الإفك.

فالمرأة المسلمة عندما تقرأ هذا، ترى أنها غريبة، فتقول: والله فعلاً أنا باقية أتحجب! فكأنها في عالم قد تحرر وانطلق وهي قائمة على أمر الله، محافظة لما فرض الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وهي الآن المرأة التي يشتاق العالم كله، ويتطلع إلى أن يرجع لما هي فيه من الخير والسعادة والعفاف والطهارة والفضيلة والحمد لله، لكن هؤلاء يريدون عكس هذه المفاهيم، فنأثم نحن عندما نبيعها، أو نروج لها، وعندما لا ننكر عليها.

بعض الإخوان يقول: لماذا نتعرض لمثل هذه القضايا؟ فنقول: والله إن لم تنكر هذه المنكرات ولو في مجلس واحد، أو في مسجد واحد، والله إننا نخشى أن يعمنا الله بعذاب من عنده، فهذه أحكام الله، وهذا كتاب الله يضرب به عرض الحائط، وهو ليس كلام فلان وعلان، فوالله ليس هناك دولة ولا حكومة ترضى أن تصدر أوامر ويهملها الناس بالكلية، أو يتجرأ عليها وتسب، فإذا كانت الدولة لا ترضى مثل هذا الكلام، فكيف برب العالمين شديد العقاب -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الذي كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إذا عملت المعصية ولم تنكر كان من غاب عنها كمن شهدها}.

إذا لم ينكر المنكر فمن غاب عنه كمن شهده، فإذا لم نتكلم في هذه المنكرات فكأننا شهدناها وسكتنا وكأننا فعلناها، وهذا ما ذكره الله تعالى عن أصحاب القرية التي كانت حاضرة البحر من بني إسرائيل لما أخذ الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يعملون.

فلا بد أن ينكر المنكر، بل لا نستطيع أن ننكر المنكرات كلها لأنها منكرات عمت وطمت حتى أصبح الإنسان لا يتكلم إلا عن قطرة من بحر في هذه البحار، لكن أقل شيء أن تلقى ربك وتقول: يا رب! قد قلت، أما أن تلقى الله وأنت ساكت وأنت مداهن؛ فأعوذ بالله من أن نلقى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على ذلك.

ونحن إذا قال أحد كلمة في مجلس فإننا ننكرها، لكن أن تنشرها على مليون مجلة أو في تلفاز لم ننكرها، فهل هذا من المنطق؟ فالأولى بالإنكار هو المنكر المعلن، ويجب على الأمة أن تنكر المنكر المعلن بقدر إعلانه وجوباً.

ولذلك من تكلم فإنه قد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من لم ينكر بالمرة فيخشى أن يكون شريكاً لمن فعل.

لا بد أن يكافئ الإنكار المنكر، فإذا نشر المنكر في مجلة تطبع (١٠٠.

٠٠٠) نسخة، فيجب أن ينشر بقدر ما يمكن حتى يصير (١٠٠٠٠٠) أو أكثر رداً لإنكار هذا المنكر، وإن كان على جهاز إعلام يسمعه أو يراه الملايين، فيجب على الأمة بمجموعها أن تنكر المنكر بحيث يسمعه الملايين أيضاً.

فلا بد أن يتكافأ الإنكار بالمنكر، أما أن يظل المنكر ينشر بالملايين، والمنكرون ينكرونه إما (٢٠) أو (١٠٠) أو (٢٠٠) ومع ذلك يقال: كيف ينكرون؟ فهذا والله عجب، وهذا والله هو المنطق الأعوج الذي لا نرضاه لديننا ولا نرضى أن نلقى به ربنا.