للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشدة والرفق في الدعوة]

السؤال

هل يستخدم الإنسان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القوة مع الناس أم يستخدم الرفق؟

الجواب

نعم.

هذه مشكلة، وأنا أتعجب من بعض الناس حين يأتي يتكلم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأكثر من مرة في مجالس كذا يقولون: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالرفق، فعندما تقول: صلوا، فإنهم ينفرون منك، ولكن حين تقول: جزاك الله خيراً، أو الله يهديك وتكلمه بالرفق فإنه يأتي إلى المسجد.

قلت لأحدهم: إذا كان المركز -مركز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- فيه ثلاثة أعضاء أو أربعة أو خمسة، وهم في حي سعته خمسة كيلو متر مربع أو عشرة، وفي كل سوق أكثر من مائة دكان، وهذه الصلاة التي فرضها الله على كل مسلم، ويرتفع الأذان بها في كل أفق، والأطفال الصغار والعجائز كل واحد يعرف وجوبها، ثم يحتاج كل فرد إلى مداراة ورفق، وإلى أن يتكرر له ذلك كل مرة، فكم تتوقع أن يصلي في المسجد؟ وكيف تتوقع أن يكون الرد؟ لا أقول: إنه لا بد أن نكون جفاة؛ لكن علينا ألا نحمِّل الإنسان ما لا يطيق، وهنا يأتي واجب على كل إنسان، هذا السوق له إدارة تقوم عليه، ومن المفروض على هذه الإدارة أن تأمر الناس بإغلاق الدكاكين بدون حضور الهيئة أو أن تمر الهيئة فتأخذ المتخلف، لا.

لابد أن نقول للناس: صلوا، المتسوق الذي يذهب إلى السوق واجب علينا جميعاً أن نقول له: صل وأن نحركه للصلاة، وبهذا نكون قد خففنا من الضغط على الهيئة، وصاحب الهيئة واجبه أن يرى الناس فيه الحزم.

فمن أسباب المشكلة، أن الإنسان يؤخذ عليه العهد مرتين أو ثلاثاً وبعدها لا يكون له سلطة، أول ما يدخل يقول: تقسم بالله، ثم يتعهد ولا يبالي لأنه يعرف أنه لا يوجد عندنا غير هذا الدفتر، لو كان يعرف أن هناك حساباً وأن هناك مسئولية لاهتم، كما يهتم بالإقامة، إذا ضيعت الصلاة فلا مشكلة، فأصبحت الإقامة أغلى من الصلاة، وقد صرنا الآن كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وقد أخبرنا بكل فتنة-: {يقال للرجل: ما أعقله، وما أظرفه، وما أجلده! وليس في قلبه مثقال ذرة من إيمان} رجل كريم وفيه خير وفيه، لكن لا يصلي، فأي خير في هذا الذي لا يصلي؟ هذا ليس فيه ذرة من الخير، الذي لا يصلي لا يكون عنده ذرة من إيمان.

لقد استهنا بأمر الصلاة، وعمر رضي الله عنه لما طعنه المجوسي في المحراب، وسقط مغمياً عليه والدم ينزف منه؛ أفاق وهو في هذه الحالة، وقال: أصلى المسلمون؟ لأنه كان الإمام، فأهم قضية فكر فيها عمر هل صلّى المسلمون؟ هذه القضية الأساسية، نقول: لما تهاونا بأمر الصلاة وأصبحت مسألة شكلية لم يعد يعبأ الناس بمرور عضو الهيئة؛ لأننا تركنا واجبنا نحن، أقول: هذا كالدوريات المنتشرة في الأسواق والتي تركت واجبها، وعندما تقول له: لماذا لا تأمر الناس أن يصلوا؟ يقول: لا نريد أن تكون هناك مشاكل، نحن مختصون بالنواحي الأمنية فقط، نقول: ماذا يخسر العسكري لو أمر الناس بالصلاة؟ هل يؤثر ذلك على عملهم وهم منتشرون في كل مكان؟ لا يؤثر، ولن يخسروا شيئاً، بل هذا فيه تعاون مع أعضاء الهيئة، أما بهذا الشكل فقد أصبحنا أضحوكة أمام الناس، فإذا مر عضو الهيئة من أمامهم قالوا: انتهى الأمر، ويعود كل شخص إلى عمله من بيع وشراء وكأنه لم يحدث شيء، لأنه يعلم أنه لن يعود إليه، ولا يوجد من يأمره وينهاه، فنحن بهذا عرضنا ديننا للسخرية، وهذه السخرية لا تختص برجال الهيئة فالذي يتكلم لا يتكلم في الهيئة وحدها بل يتكلم في المجتمع كله، وفي الأمة كلها.

أقول لرجال الهيئة: اتقوا الله ما استطتعتم، عليكم أن تبذلوا جهدكم، وعليكم أن تأخذوا اثنين أو ثلاثة منهم أو أكثر ليكونوا عبرة للآخرين، على رئيس الهيئة أو مسئوليها أن يزجرهم أو يسجنهم أو يحولهم إلى المحكمة بشكل يسمع به الآخرين؛ ومع هذا فالواجب على الدوريات وعلى المتسوقين، وإدارة السوق إذا كان للسوق إدارة، وعلى كل إنسان، ومن ذلك الدعاة أن يأتوا فيقولون: هذا الحي الصلاة فيه قليلة، إذاً لا بد من عمل محاضرة في هذا الحي وفي هذا المسجد عن أهمية الصلاة حتى تقوم الحجة، ولعل غافلاً يسمع ذكر الله، ولعله إذا رأى الناس يصلون أن تتحرك همته ويصلي مع الناس.