للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم الإيمان سبب زوال الأمم السابقة]

لقد بيّن الله لنا في كتابه الكريم أوضح البيان حال الأمم قبلنا، والعجب أنه ما من أمة أهلكها الله تبارك تعالى إلا وهي في حال القوة! ويشهد بذلك كتاب ربنا وكذلك التاريخ وواقع الأمم.

قوم نوح دمروا في وقت قوتهم وتمكنهم، وقوم عاد الذين قالوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:١٥] فلم يروا أن أحداً أشد منهم قوة، وقد قال الله تبارك وتعالى فيهم: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ} [الفجر:٦ - ٨] وثمود: {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} [الفجر:٩] الذين نحتوا الجبال، وبنوا وشادوا المصانع، فهل أتاهم عذاب الله وهم في حالة ضعف؟! أو في حالة انهيار اقتصادي؟! أبداً فقد أتاهم وهم في أقوى ما يمكن أن يكونوا عليه من القوة والتمكن، وفرعون -أيضاً- متى أهلك؟ ومتى دمر الله هذه الأمة القبطية الفرعونية؟ وهل دمرت وهي في حالة ضعف؟! لا، بل دمرت وانهارت وسقطت وهي في أشد قوتها، عندما تكبر زعيمها، ذلك الرجل الذي بلغت به الوقاحة والجرأة على رب العالمين أن يقول: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:٢٤] وأن يقول: {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} [القصص:٣٨] ففي أشد القوة والتمكن دمره الله، إلى غير ذلك مما لا يخفى علينا، كما قال الله تبارك وتعالى: {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ} [سبأ:٤٥] وفسر المعشار بأنه عشر العشر.

فالأمم قبلنا قد سادت وشادت وبنت، وبلغت من القوة ما بلغت، مع ذلك أهلكت وعذبت لسبب ليس هو الضعف المادي بأي حال من الأحوال.

وكذلك أتى التاريخ شاهداً لذلك، عندما دمَّر الله تبارك وتعالى ملك كسرى وقيصر فهل دمرت مملكة الفرس والروم، لأنها كانت تعاني من ضعف مادي؟! أبداً، فلقد كان الفرس يستعمرون الجزء الشرقي من العالم وينهبون خيراته، وكان الروم يستعمرون الجزء الغربي، ويكفي أن نعلم أن الروم كانوا مستعمرين لـ بلاد الشام ومصر وغرب إفريقيا بكاملها، فكانت مستعمرة رومانية.

إذاً: في أوج القوة والعظمة سقطوا وذهبوا، لماذا؟ لأنهم واجهتهم وقابلتهم جيوش التوحيد، التي عقد لواءها خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك البلد الطيب الطاهر، تلك الجيوش القليلة العدد والعدة، لكنها ذهبت وانطلقت ذات اليمين وذات الشمال، فأطاحت بأعظم دولتين في تاريخ القرون الوسطى، فكيف انهارت؟! ولماذا انهارت؟ وهل كان سبب الانهيار هو الضعف المادي أو الاقتصادي أو التفكك السياسي أو أو إلخ؟! ومع الأسف هذا هو الذي نقرأه في التاريخ، أو نسمعه في محاضرات أو ندوات أو ما يكتب في الصحافة، وفي الكتب، حتى أدى ذلك إلى أن غفلت أمة الإسلام عن هذه الحقائق الذهنية، فأصبحت أمة مادية تنظر إلى التاريخ، وإلى أسباب البقاء والفناء، والحياة الطيبة، وإلى أسباب الحياة الشقية نظرة مادية بحتة.