[الشرك في أعمال القلوب]
توحيد الله يقوم بتحقيق أعمال القلوب, أن تكون خالصة لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ومن أهم أعمال القلوب: الإخلاص {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة:٥] وبعد ذلك: {وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} [البينة:٥] الإخلاص لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، الصدق مع الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:١١٩]، وقد قالها بعد أن ذكر سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أصناف الناس السابقين من الأولين، ثم ذكر الذين مردوا على النفاق , ثم ذكر الذين هم مريدون لأمر الله, ثم ذكر الثلاثة الذين خلفوا, ثم ذكر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:١١٩] أي: مع الأولين والسابقين، مع الأولين لا مع المنافقين الذين ذكر الله شأنهم في هذه السورة -التوبة- وفي غيرها, فلا بد أن تصدق مع الله، ويجب على كل إنسان أن يكون صادقاً مع ربه بإيمانه به سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وليس نطقاً بقوله.
ومن أعمال القلوب التي تحقق لنا التوحيد: الخوف من الله وحده لا شريك له, ولو فطن الدعاة إلى هذا لرأيت العجب العجاب في الدعوة إلى الله, ولو أن كل مؤمن لم يخف إلا الله, ولم يخف أحداً من البشر كائناً من كان في أمر يغضب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لرأيت العجب العجاب من التمكين والعز والنصر.
لكن الإنسان يقول: لو اتقيت الله, ولو اتبعت ما أمر الله، لفعل بي فلان الذي هو أعلى مني في الوظيفة كذا! فهو يخاف من فلان لأنه أقوى منه, ويخاف من كذا، فأخافنا الشيطان: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} [آل عمران:١٧٥].
فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل ذلك الخوف منه وحده, ولو خفنا من أعداء الله ولم نخف من الله فلن ينصرنا الله تبارك وتعالى عليهم أبداً, بل جعل الله تعالى طريق النصر كما بين: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [آل عمران:١٢٠] فالأعداء يكيدون لنا، ولا توجد وسيلة مما في علمنا أو عقولنا أو خيالنا إلا وقد حاربونا بها, وهذا حق كما ترون الآن في هذا الزمن, وفي كل لحظة، وفي كل دقيقة, فنحن مستهدفون ومحاربون, بالذات في هذا البلد الآمن المطمئن, القائم على دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, ففي كل لحظة تجد الحرب الشرسة علينا، لكن إذا خفنا منهم إذاً أشركنا, فما الطريق؟ وما الحل لمواجهتهم؟ {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا} [آل عمران:١٢٠].
إذا صبرنا واتقينا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [آل عمران:١٢٠] لا يضرك كيدهم أبداً.
أقول: الأعداء يُخططون لنا ولكل المسلمين، وكثير من المسلمين لا يعرفون ذلك، انظروا إلى ما في التلفاز، وإلى ما فيه من المسلسلات، وإلى الفيديو، فإن هذا من تخطيط الأعداء لإفساد الأخلاق, وكثير من الناس يقولون: لا أستطيع أن أصبر على مشاهدة هذه الأشياء, ثم يسأل: لماذا الأعداء ينتصرون علينا؟ أنا أقول: إذا كنت لا تستطيع أن تصبر على هذا، فكيف ينصرنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ونحن بغير تقوى؟! نحن المسلمين لم ننتصر على أنفسنا وعلى شهواتنا، فكيف ينصرنا الله على الكافرين؟! نحن المسلمين إذا تمكن بعضنا من بعض, تجد أن تقوى الله لا تمنعه ولا تردعه من أن ينتقم منه أو أن يظلمه إلا من رحمه الله, لكن هذا هو العموم، فكيف يولي الله الظالمين؟ كيف يورث الله الأرض للظالمين؟ وانظروا كم في المحاكم، والشرط، والإمارات، والإدارات من شكاوى لا بد فيها من ظالم ومظلوم, فنحن نظلم بعضناً بعضاً بهذه الكمية الهائلة, ونريد أن يورثنا الله الأرض, ونقول: لماذا لا يُمكِّن الله لنا نحن المسلمين في الأرض؟ وكل جمعة ندعو: اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذل الشرك والمشركين, ومجد ووحد واجمع! دعاء لا عمل معه, فكيف يولي الله الظالمين؟ لو جمع كلمتنا ونحن بغير تقوى ولا صبر لدمرنا الدين -والعياذ بالله- لكن تفرقنا في هذه الحالة أفضل وأحسن, فهذه حكمة من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
إذاً لا ينفع إلا أن نصبر وأن نتقي الله, والشاهد أن الخوف من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, هو أحد أهم أعمال القلب التي يجب أن يوحد الله بها.
والصبر من أعمال القلب أيضاً, التي يجب أن تُفرد وأن تتحقق، فإذا كنا ندعو إلى توحيد الله وإلى العقيدة الصحيحة, فمعنى هذا أن ندعو أيضاً إلى الصبر؟ حيث نصبر على طاعة الله, ونصبر عن معصية الله, ونصبر على أحكام الله الشرعية, ونصبر على أحكام الله القدرية, وعلى المصائب التي تقع ويكون موقفنا منها الصبر, لأن الله تعالى هو الذي قدَّر ذلك وكتبه قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
وأيضاً: الرغبة, والإنابة, وكثير مما ذكر الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم من أعمال القلوب يجب أن نحققها وأن نوحد الله فيها.