أقول: أي شكل من أشكال التعاون لا تضيعوه، لا تفتقدوه فيما بينكم، واعلموا أن كل حي فيه الكبير في السن الذي له قيمته، والذي لديه وجاهة عند الناس، وفيه الموظف الذي يُمكن أن يؤثر على الحي وعلى غير الحي، فيه التاجر الذي يمكن أن ينفع الله بماله في هذا الحي، فيه الشيخ أو طالب العلم الذي ينبغي أن ينفع الله تعالى بعلمه في هذا الحي.
فيجب أن نتعارف، كثير من الإخوان يقول لي: لماذا لا نتعاون؟ وأقول: لأننا أصلاً لم نتعارف؟! فكيف نتعاون ونحن لم نتعارف، ونحن في شبه غيبوبة عن العلاقات التي أمرنا الله بها، لكن عندما نتعاون ونتعارف ونتحاب، ونشيع الخير فيما بيننا؛ فإن ذلك مما يرفع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى به رءوسنا ويعزنا، ونشعر بحال أمتنا خارج حدود حيناً أو مدينتنا، سنشعر بأحوال إخواننا المسلمين الذي يقتلون في كل مكان.
وأحياناً نقول: لماذا -نحن أهل هذا الحي- لا يكون لنا عمل معين في بلد من بلدان المسلمين، لماذا لا يكون هناك مركز إسلامي دعوي -مثلاً- في مدينة من مدن الصومال أو كشمير، أو البوسنة لهذا الحي، وباسم هذا الحي؟ لماذا لا يكون باسمنا -نحن أهل الحي- طبع كتاب دعوي خمسين ألف أو مائة ألف نسخة وترسل إلى أنحاء العالم؟ حينئذٍ نفرح ويهنئ بعضنا بعضاً:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس:٥٨].
لو نجحنا في إيجاد شبكة مجاري أو مياه أو شبكة هاتف -وهذا أمرٌ مطلوب- فإننا نفرح ونقول: ما شاء الله! مجلس الحي حقق هذا المشروع ولكن لماذا لم يجتهد -أيضاً- في أمر آخر من أمور الدعوة؟ لماذا لا يكون هناك أشرطة كل أسبوع توزع؟ إن كان حجاً عن الحج، وإن كان صياماً عن الصيام، وهكذا إذا توكلنا على الله فعلاً وفقنا الله لذلك.
بعض الأحياء يكثر فيها الفقر، وبعض الأحياء يكثر فيها العمال، وبعض الأحياء يغلب عليها الترف والبطر، وهكذا تختلف الأحياء في كل مكان بمقتضى حالنا وواقعنا، فمن يعالج هذا الواقع وهذا الحال بالعلاج الرباني؟ وبهذا الدين الذي أعطانا الله؟ وكل الإخوة في حيهم يستطيعون أن يضعُوا بنفس التفصيل الأعمال الخيرية للحي، والتخصيص يترك لهم، ولا أستطيع أنا أو الأخ أو الشيخ فلان بن فلان، لأنهم أعلم بالحي وأعلم بظروفه وأعلم بواقعه.
أرجو ألاَّ أكون أطلت عليكم، وأرجو أن يجعل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هذا اللقاء مذاكرة فيما بيننا ليشعر كل منا بواجبه، ويستشعر ما ينبغي أن يفعله تجاه إخوانه حتى تكتمل -أو تقارب الكمال- صورة ونموذج المجتمع المسلم الحي الذي يشد بعضه:{كالبنيان يشد بعضه بعضاً} كما ضرب المثل بذلك الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن كان من أسئلة حول هذا الموضوع خاصة فيمكن أن نستعرضها إن شاء الله، وأرجو ألاَّ يخرج أي واحد منا إلا وقد وضع في ذهنه أي تصور، حتى لو لم تستطع أنت أن تفعل شيئاً من هذا ضعه في يد مندوب الحي، قدمه إلى إمام المسجد، أو إلى خطيب الجمعة، أو إلى مدير مركز الدعوة، أو إلى داعية من الدعاة، قدم له ما تراه من مثال أو نموذج لكي يكون المجتمع متآخياً مترابطاً، ويحقق كل أخ لإخوانه المسلمين ما ينبغي أن يكون بإذن الله تبارك وتعالى.