للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دور العلمانية في الفكر النصراني]

أرسل الله عز وجل عيسى عليه السلام بما أرسل به الأنبياء جميعاً، كما قال تعالى: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦] ولا يمكن أن يدعو نبي إلى الشرك أبداً، فكيف نشأ الشرك في دين النصارى؟ أول ما حدث في دين النصارى أن عيسى عليه السلام رفعه الله تعالى إليه قبل أن يقيم مجتمعاً إسلامياً، فقد بُعِثَ عليه السلام في فلسطين، وهي جزء من مستعمرات الامبراطورية الرومانية الكبيرة، وكانت الامبراطورية الرومانية لا تريد أن تتدخل في قضية العلاقة بين المسيح وبين المجتمع اليهودي الذي بعث فيه، لأن القضية قضية داخلية، والامبراطورية تحرص على أن توحد الأمة أو الولايات تحت حكمها، وهذا رجل جاء في ولايةٍ جزئية بدعوةٍ داخليةٍ محددة إلى بني إسرائيل.

ومن هنا نشأت قضيتان: القضية الأولى: قضية أنها لم تقم دولة، وهذا ما جعل العلمانية تبدأ جذورها وبذورها في فكر القوم، فعندما لم يقم المسيح عليه السلام دولة منفصلة مستقلةٍ جهادية كما فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كانت هذه بذرة تلقائية للعلمانية بلا شعور؛ أي: يمكن أن يوجد الدين ولا دعوة له ولا جهاد فيه.

والقضية الأخرى: أن تتحول هذه الديانة من قضية دعوة محلية لقومه خاصة، إلى دين الامبراطورية تحكم شعوباً كثيرة، وهي ربما كانت أكبر امبراطورية آنذاك في الأرض، هذه النقلة بعيدة جداًَ؛ لأن قومها الذين بعث فيهم المسيح لم يقيموها في أنفسهم، فكيف تقوم على مستوى أكبر من ذلك؟! فلا بد أن يضيق نطاق التشريع والأحكام عن استيعاب الأحكام في العالم، والله اختص محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن دينه هو الدين الذي يهدي العالمين جميعاً، فالاعتراض ليس على كون الإنجيل لم يأت بأحكام للبشرية جميعاً، ليس هناك اعتراض على هذا إطلاقاً، ولكن أهل الإنجيل محددون بأنهم هم أهل التوراة نفسها -أي اليهود- ومع هذا كله لم يصل الدين -كما هو في الإنجيل الذي أنزله الله- إلى أوروبا، فحصل أيضاًَ خطأ أكبر.