أما المؤمن فإنه يرى هذه المظاهر والمناظر بعين غير تلك العين، فله نظرات أبعد وأعمق من ذلك بكثير، فلو لم يكن في حال المؤمن إلا أن يقف وينظر إلى الناس وهم ذاهبون في الصباح -مثلاً- فيرى ويتعجب كيف أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي أعطى هذا وأعطى هذا، كيف جعل الآيات له تبارك وتعالى في اختلاف ألسنتهم وألوانهم، فاختلاف الألسنة والألوان عجيب جداً.
ومن عجائب الله سبحانه اختلاف سعيهم أيضاً:{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}[الليل:٤] فهذا عاصي وهذا بار، وهذا فاجر، وهذا مدبر، وهذا معرض، وهذا الآن اهتدى، وهذا متعمق في الإيمان، وهذا متعمق في الغواية، وهذا وهذا فهو يرى الأشياء ولكن بعين غير تلك العين.
فالفرق بينهما كالفرق بين من يرى أخشاباً أمامه وبين آخر تعمق فأخذ منظاراً مكبراً فإذا هذه الأخشاب عبارة عن مخلوقات عجيبة جداً، والآخر لا يراها أبداً فيظنها حجارةً أو أخشاباً أو أشياء لا قيمة لها.
فالمؤمن يرى ما يجري من أحداث بعين اليقين وبعين البصيرة، فيتأمل في ملكوت السماوات والأرض.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
فأي شيء في نفسك أو في الكون وقعت عينك عليه ففيه آيات عجيبة، وعظيمة، ففرق بين الغافل والذاكر، فهذا حي، وقلبه حي، وارتباطه بالله دائم ويقينه وفكره، كذلك ولذلك فهو مترفع عما يفكر فيه الأقلون.
ولذلك مما يترتب على هذا: أن العبد المؤمن يصبر على كل ما أصابه، لأن من يقينه أنه يصبر على كل ما يصيبه، ويعلم أن الخير والشر مقدر عليه، وكل ذلك من الله تبارك وتعالى فلا يجزع ولا يقنط.
ولذلك يوجد الفرق الكبير بين الناس إذا وقعت مصيبة أو كارثة، على هذا الذاكر أو ذاك الغافل، وما أكثر ما يعرض للإنسان في هذه الحياة الدنيا من ذلك.