[حكم العمل في المؤسسات الربوية]
السؤال
إذا كان الرجل يعمل في أماكن ربوية إما بنوك , وإما مؤسسات تتعامل بالربا، فكيف يتعامل القريب مع قريبه الذي يعمل في هذه الأماكن، سواء كان زوجاً أو ولداً أو والداً أو أخاً؟
الجواب
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، فيدخل في هذا كل من أعان بأي شكل من الأشكال على خدمة هذا الربا، وعلى خدمة هذا الجهات، أو المؤسسات الربوية، ولو كان فرَّاشاً، ولو كان حارساً، أو ما يسمونه أمين صندوق أو مراجع حسابات، أو كاتباً.
المهم كل ذلك داخل في هذا الحكم فهو حرام عليهم، ولا يجوز لأحدٍ أن يبقى وأن يظل يعمل في أي بنك من البنوك، أو أي عمل محرم -ولكن البنوك هي أظهرها- إلا للضرورة، أي بأن يَجِدَّ في البحث عن مصدر للرزق، فمتى وجده وإن كان أقل من ذلك، فيجب عليه أن يتركه، والله تبارك وتعالى سيعوضه خيراً بإذن الله، وهذا الكلام لا نحتاج إلى الإفاضة فيه؛ لأن فتاوى العلماء فيه وكلام الخطباء دائمة ومتكررة.
لكن الشق الثاني الذي قد يخفى على بعض الحاضرين، وهو: إذا كان الأب أو الزوج يعمل في بنك أو مؤسسة ربوية أو محرمة عموماً، فكيف يأكل الابن أو الزوجة؟ فنقول: إن الحرام لا يتعدى ذمتين أي أن المال الحرام لا يتعدى ولا ينتقل بين ذمتين؛ فالإثم والحرام إنما هو على الأب أو على الزوج أو على القريب الذي يأكل الحرام، أما من يعوله أو من يزوره فإنه لا يأثم بأن يأكل عنده.
ولكن مع ذلك نقول: إن الابن متى استطاع أن يستقل عن دخل أبيه من المحرم فليستقل عنه وسيغنيه الله عز وجل من فضله، وكذلك الزوجة لو استطاعت أن يكون لها دخل أو مصدر من غير مال الزوج فهذا خير وأفضل؛ لأن من الورع ترك ذلك، وما دامت هي لا تستطيع الإنفاق، والزوج هو الذي ينفق، وهي تنصحه وتحذره وتحاول أن تعينه على تركه وهو يأبى؛ فهي لا إثم عليها فيما تأكل من عنده.
أما الزائر فإنه لا حرج عليه أن يأكل من بيت ذلك الإنسان، ولا يحرم عليك إن كان يتعامل بالربا؛ لكن هذا لا يعني أن تتساهل معه فمن الورع أن يتركه؛ لأن فيه شبهة ويجب أن تنصح هذا القريب، وتبذل كل ما تستطيع من الدعوة ليترك البنك، فإذا زرته فإنما تزوره لتنصحه وتبين له خطر ما هو فيه إن ظل مصدر دخله من هذا المال الحرام، وهذه -تقريباً- أبواب يُسأل عنها كثيراً: الأب أو الزوج أو الزائر.
بقي الأجير: يسأل الأجير يقول: أنا أعلم أن صاحب العمارة يعمل في البنك، أو يأكل الحرام، فهل يجوز أعمل عنده، بأن أبني له بيتاً أو كهربائياً يعمل في كهرباء العمارة أو أي عمل، فنقول: أنت لا يحرم عليك ما ذكرت؛ لأنك إذا عملت عملاً حلالاً، وأخذت أجرتك أنت بوسيلةٍ حلال فلا يحرم عليك المال وإن كان صاحبه أخذه من حرام؛ لكن من جهة الورع لو أنك تورعت وقلت: لا أعمل إلا عند من أعلم أن دخله حلال، لكان في ذلك خير، لكن أن تسأل عن عمل المقاول أو صاحب العمارة: ما هو؟ وهل دخله حلال أم حرام؟ حتى تعمل عنده، فهذا لا يجب عليك من فضل الله وسعة رحمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، إنما عليك أن تتقي الله في عملك، وأن تأخذ الأجرة التي تستحقها من حلال.
نعم.
لا يجوز الأكل من مال حرام، لكن هل هذا حرام؟ وعلى أية حال، المسألة -كما ذكرنا- من مسائل الشبهة والورع ولا نشك في هذا، لكن لا نقول: إنه حرام، فهذا الذي نهى الله عنه كما قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل:١١٦] نتورع عنه، فقد يوجد من يقول بالتحريم كما قلتم، لكن أنا لا أعلم من قال: إنه يحرم.