وبالنسبة لتقسيم السلطات التي تملك السيادة فيقسمونها إلى ثلاث سلطات، وهذا التقسيم ظهر لأول مرة في فرنسا ودعا إليه بعض الفلاسفة بقوة، ومنهم الفيلسوف مونتيسكيو وغيره الذين دعو إلى الفصل بين السلطات، وإلا فإن إحداها يمكن أن تستبد بالأمر دون الأخرى.
فقالوا: السلطة الأولى: هي السلطة التشريعية ووظيفتها التشريع وسن القوانين المختلفة.
والسلطة الثانية: هي السلطة القضائية، وهي بالنسبة للتشريعية عبارة عن سلطة تنفذ ما تقرره السلطة التشريعية، فالتشريع يسن ويقرُّ أولاً ثم ينتقل إلى المحاكم فينفذ على آحاد القضايا، والقاضي إذا خالف ما سنته السلطة التشريعية فإن حكمه يكون باطلاً غير شرعي.
وقد حكم أحد القضاة في قضية شرب الخمر بما أنزل الله، فأبطلوا حكمة وفصلوه من القضاء؛ لأنه مخالف للدستور الرسمي المكتوب!! وأما السلطة التنفيذية فمهمتها أن تنفذ ما يحكم به القضاء واللوائح وتلتزم بالدستور وتتعهد بالمحافظة عليه وتقسم اليمين الدستورية لتنفيذ الدستور الذي هو القانون الأساسي الذي تقره السلطة التشريعية.
ويحدث أن تأتي حكومة تنفيذية -مجلس الوزراء- فتقدم استقالتها، فمثلاً: في الجزائر قبل أيام استقالت الحكومة، ويحدث كثيراً في بعض الدول أن السلطة التنفيذية تمسك بالأمور جميعاً، فيصبح التشريع حقاً لها، ويصبح القضاء تابعاً لها، وهذا هو الواقع في العالم الإسلامي، وهذا هو الاستبداد، حتى إن السلطة التنفيذية هي التي تملك كل شيء، ولا يوجد فصل بين السلطات إلا نظرياً، ولكن حتى لو فصلوا فإن، حق التشريع والتحليل والتحريم يعطى لغير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وذلك لا يجوز أبداً.
ففي الواقع تحدث مخالفات، لكن في الجانب النظري نجد أن القوانين والدساتير في البلاد العربية أو الإسلامية عموماً -بحكم الانتماء الجغرافي أو التاريخي- تنص على إعطاء الحق لغير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وسوف نستعرض بعضها حتى نعلم خطورة هذا الشرك العصري، ولنعلم أن من قام مجهادها بما استطاع فقد قام بواجب على الأمة، وهو مأجور على ذلك، ويجب أن ينصر ولو بالحجة العلمية؛ فهذا شرك خبيث جديد لم يقع في تاريخ الأمة إلا في أيام التتار كما ذكر أحمد شاكر، وقد رفضته ولفظته الأمة آنذاك، ولكنه الآن أصبح هو السائد والرائج والمنتشر، وإذا اعترض عليه أحد اتهم بأنه أصولي متطرف ويرغب في السلطة ويريد الحكم، واقرءوا الصحف التي تتعرض لما يحدث في تونس أو الجزائر أو غيرها، فبمجرد أن يكون كان هناك دعاة أو شيوخ يطالبون بإلغاء هذه الدساتير فإنهم يتهمونهم ويقولون: هؤلاء أصوليون ومتطرفون، وغرضهم السلطة، ولا يريدون إلا الحكم، ويجرون البلاد إلى الهاوية وإلى الدمار وإلى الفساد، كما اتهم الرسل من قبل.
نحن الآن أمام من يقول: نريد حكم الله، ومن يريد حكم الجاهلية، فكيف تنحاز الصحافة ضدهم، وتجمع على أن هؤلاء الذين يسمون بالإسلاميين يستحقون أن يكبتوا ويسجنوا ويُنَكَّل بهم؛ لأنهم يريدون تغيير السلطة، ويرغبون في الوصول إلى الحكم؟! بينما لا يتجاوز الأمر في كثير من الأحيان مجرد الإنكار على هؤلاء الذين يحكمون بغير ما أنزل الله؟! وهذا الأمر واجب، كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح:{ما من نبي بعثه الله قبلي إلا كان له حواريون وأصحاب يقتدون بهديه، ويهتدون بسنته، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقتدون بغير هديه، ويهتدون بغير سنته، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل}، فلا بد من مجاهدتهم ولو بالحجة العلمية، وأن يقال للناس هذا كفر بواح، كما فعل الشيخ أحمد شاكر في كتابه عمدة التفسير.