لما نقل دعاة تحرير المرأة هذه القضية إلينا -كما قلت- لم ينقلوها على أنها قضية مظلوم يُنتَصَرُ له، بل نقلت على أنها قضية امرأة مقابل رجل، وقضية ذكر مقابل أنثى؛ وهكذا استطاعوا أن يمزقوا المجتمع وأن يوجدوا هذه الفرقة بينه ليتمزق، فأي مكان للرجل فيه موضع قدم قيل: وأين مكان المرأة؟! وقيل للمرأة: وأين دورك؟! وأي مكان للمرأة، يقال للرجل: لماذا يترك المكان للنساء فقط؟ وهكذا حتى تتناحر المجتمعات، والمجتمعات الغربية من المعلوم أنها مجتمعات متفككة لا روابط فيها، فإذا بلغت الفتاة الثامنة عشرة تطرد من بيت أهلها، وتعيش كما تشاء وأينما تشاء مع من تشاء، وكذلك الحال مع الشاب من الذكور، وومن هنا فإن كل جماعة وفئة في المجتمع تحتاج إلى تكتل تنظم تحت لوائه لتنتصر إذا ظلمت من قبل الآخرين، ولذا نجد العمال لهم تكتلات مقابل أصحاب رءوس الأموال، والطلاب لهم تكتلات مقابل الجامعات، النساء أيضاً لابد أن يتكتلن وإلا ضِعْنَ، فتتكتل النساء ويجتمعن وينشئن الجمعيات.
لأن المرأة إن لم تكن في جمعية فلن تجد من يطالب بحقها؛ لأنها ستكون ضائعة في حكم القانون!! فلا بد أن تتكتل، ومن هنا تكونت الحركات والجمعيات النسائية وما أشبه ذلك.
وجاءوا إلينا -نحن- في بلاد الإسلام وهي البلاد التي لا تعرف هذه الفرقة -أصلاً- والتي يجب فيها على المجتمع ككل ألا تضيع فيه امرأة، ولا طفل، ولا إنسان، فإن لم يكن لها أب أو أخ يحميها، فلا بد أن يتولى القاضي الوصايةَ عليها، أو يقيمَ وصياً عليها أو يزوجها أو ينفق عليها أو يحفظها في دور للرعاية، فهي مصونة مكفولة، ويكفي أن تذهب إلى القاضي، وتقول: إنني لا عائل ولا محرم لي، وعندئذٍ تصبح في كفالة ولي الأمر، وحق عليه أن يفعل ذلك.
وهذا لا يوجد -أصلاً- في أي نظام من الأنظمة، فمثلاً: الشيوعية تحاول أن تدعي شيئاً من ذلك، ولكن لا وجود له.
أما المجتمعات الإسلامية فإن الرجل قد لا يبالي لو ضاع منه عشرة أبناء، ولكن لو فقدت منه ابنته يوماً واحداً، لاسوَّدت الدنيا في عينيه ولكأنها قامت القيامة.
ثم يؤتى إلى هذا المجتمع ويقال للمرأة فيه: تكتلي أيتها المرأة، طالبي بحقك، اخرجي، لماذا الرجال لديهم المناصب والجامعات؟! لماذا لديهم الوظائف الفلانية؟! فأصبحت القضية قضية رجل وامرأة.
ولو نظرنا إلى مطالبة المرأة لحقوقها في الغرب -كما أشرت- فلا يوجد من تطالبه؛ لأنه ليس لها روابط، فلتطالب بحقوقها في هذه الحالة، أما في المجتمع المسلم، فإن الزوجة تطالب زوجها، والأخت تطالب أخاها، والأم تطالب ابنها، ثم تأتي كاتبة في جريدة تقول: لتنتصف لأمي مني، أو لزوجتي مني! فلنفرض أن امرأة تعمل، ثم إن مديرها ظلمها، هل يمكن أن يقال: إن مديرها ظلمها، لأنه ذكر وهي أنثى؟! إن هذا لا يخطر إلا على عقول المجانين، فالمسألة ليست كذلك، فهو قد يظلمها، والظلم الإداري قد يقع على الرجل أو على المرأة؛ ولو وقع الظلم، فإن الذي ينتصف لها هو رجل آخر كالأخ، أو الزوج، أو الأب.
وهناك مثال آخر وهو: أن رجلاً تزوج زوجتين، فظلم الأولى منهما -كما يحدث غالباً-فيقولون: الرجل ظالم! ولو تأملنا من هو الظالم؟ هل هو الرجل أم الزوجة الثانية؟ لعلمنا أن القضية ليست قضية رجل فقط، ولكن القضية أن الظلم من شيم النفوس، كما يقول المتنبي:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لم يظلم
نحن نقول: إن لم يوجد التقوى فلا بد من الظلم؛ لأن الذي يحجز الإنسان عن الظلم هو التقوى، ولن يحجزه عنها كاتب في جريدة.