للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دخول الكفار إلى بلاد المسلمين]

السؤال

ما رأيكم فيما ظهر في الأسواق مؤخراً من ألعاب وصور تحمل شعارات الكفر والصلبان والنجمة السداسية وغيرها؟

الجواب

لو كنا ندعو إلى الله عز وجل كما ينبغي لأسلم العالم كله إلا من كتب الله عليه الشقاوة، ومع ذلك كما ترون يأتينا دائماً من يذكرنا بعمل أعداء الله مثل هذه المسألة البسيطة -عند الكثير- هذه نجمة سداسية ملونة بعضها حمراء تأتي في بكلات الشعر، وفي الملابس، يريدون أن يغزونا، إن لم نجاهر بالكفر، فهؤلاء الكفار قبحهم الله، يرضيهم منا أن نتزيا بزي أهل الكفر، وأن نلبس شعار أهل الكفر من صلبان ونحوه، فنحن الآن مغزوون، وأصبحنا مستهدفين من هؤلاء الكفار حتى في الشعائر الظاهرة.

وهذه ألعاب على صورة ملونة وجميلة من الممكن أن يجعلها الذي لا يدري بروازاً، ويعلقها، مع أنها وهي صورة كنيسة، والصليب واضح فيها ومع ذلك تدخل البلاد وتنتشر.

وأنا أكرر وأقول: لا نقول المؤاخذون هم الجمارك فقط، أو الرقابة فقط، فهؤلاء جزء منا، فالتقصير عام، ويجب أن نعلم ذلك جميعاً.

وهناك دعاية واضحة للكنيسة الألمانية الغربية، -فلم يخفوا حتى الكتابة؛ لأنهم أمة تدين بهذا الدين- جعلوا شعارهم الكنيسة، وكتبوا ذلك، فهي بضاعة لها شعار مقصود ومتعمد أن يكون رمزاً لدعوة كنسية، فهل اللوم على صاحب الدين الذي يريد أن ينشر دينه؟ أم اللوم على أهل الإيمان وأهل التوحيد الذين طمع فيهم الطامعون، وجعلوهم هدفاً لنشر دينهم وملتهم؟ ومثل هذه النجوم السداسية التي تأتي على الملابس وتوضع في بكلات الشعر وتوضع في أي شيء فيجب أن نحذر منها؛ لأنهم يبدءون بالشعار ثم ينتقلون إلى الشعائر بعد ذلك.

كذلك جاءتني هذه الرسالة وتحتوي على صورة، وعلى رسالة، وهذه الصورة يزعمون أنها للمسيح عليه السلام، وأتوا بكلام من الكلام الذي نقرأ منه أحياناً -كما لا يخفى عليكم- تقول الرسالة: يا ابني الحبيب الغالي، سلام مني، أنا ملك السلام، أنت لا تعرف اسمي، هذا هو اسمي: عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام، أنا الرب.

ولو تتبعتم بشائر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأناجيل لوجدتم أنه هو الذي يدعى مشيراً وعجيباً.

لكنهم جعلوا هذه الصفات للمسيح، وأدخلوا معها كلمات إلهاً ورباً وقديراً إلى آخره، وآخر التوقيع بالخط الكبير أنا الرب يسوع المسيح، تعالى الله عما يصفون كما قال تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} [المائدة:٧٥] الإله يأكل الطعام! ومن أكل الطعام فإنه يحتاج إلى الخلاء! لا يمكن ذلك للإله أبداً، ولذلك أول ما أنطقه الله قال: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً} [مريم:٣٠] لا ألوهية فالله تعالى بيَّن لنا هذا، ولكنهم يزعمون ذلك.

والمهم أن ذلك مما في الرسالة ولا نطيل بقراءتها، فالأربع صفحات منها تشتمل على تعليمات، مفادها في آخرها أن يؤمن العبد بأن الرب هو يسوع المسيح، ملك الملوك، ورب الأرباب، خالق الكل تعالى الله عما يشركون، ما أضل عقول النصارى وما أسفه أحلامهم!! وذكر ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان أن أحد ملوك الهند قال: إن النصارى سُبَّةٌ وعار على الإنسانية عموماً، مع أنه من حكماء الهند وما كان على دين كتابي؛ لكن العقل يرفض أباطيلهم وخرافاتهم فكيف يقولون إنه هو الله والرب، ثم يقولون: إنه ولد ونشأ طفلاً ثم في النهاية صلب وقتل، ويرضى أن أعداءه يتسلطون عليه ويصلبونه.

وبعد ذلك يقولون: إنه وهو على الصليب قال: إيلي إيلي لماذا سبقتني؟ ومعناها: إلهي إلهي لم تركتني، لم تخليت عني؟ إذاً هذا عبد مخلوق؛ يقول: إلهي إلهي لماذا تركتني؟ على كلامهم وإلا فعيسى عليه السلام لم يصلب، كما قال تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء:١٥٧]، والذي صُلب هو رجل شبه لهم أنه المسيح؛ لأن جند الرومان ما كانوا يعرفونه، فلما رفع الله المسيح وألقى شبهه عليه قالوا: هذا هو المسيح فذهبوا به، فهو عبد كأي عبد لله وهو يتأوه على الصليب وعند ما أرادوا قتله كان يقول: يا آلهي لماذا تركتني؟ يدعوا الله كأي إنسان حتى لو كان كافراً يدعو، فهذا الذي يقول: إلهي إلهي لم تركتني؟ يقولون: إنه رب الأرباب وخالق الكل، وأعداؤه سلطوا عليه وقتلوه! تعالى الله عما يصفون! وبعد ذلك يقول: وضعوه في القبر ثلاثة أيام، وبعد ثلاثة أيام خرج، سبحان الله! من كان يدبر أمر السماوات والأرض ويرزق ويعطي ويمنع، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، في خلال هذه الثلاثة الأيام، وهو في القبر وهو فوق الصليب يشكو، سبحان الله عما يصفون!! فالمقصود أن هؤلاء النصارى لا يتورعون، ويرسلون هذه الأوراق إلى أي أحد، وأرسلوا -أيضاً- مع هذه الصورة صورة آخر اللحظات عندما كانوا يضعون الصليب ليصلبوه، وجاءوا بكلام من الإنجيل في ظهرها.

وطباعتها طباعة أنيقة كيف أنه في "لوقا" قال المسيح: تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قدرتك، ومن كل فكرك.

وكيف أنهم لما سألوه: احضروا شهود الزور، قال رئيس الكهنة: هل أنت المسيح ابن الله؟ فأجابه: نعم، فحكموا عليه بالموت، فيقول: تفرست جارية في بطرس، فقال: إنك مع يسوع، فخاف بطرس، فأنكر يسوع ثلاث مرات.

فانظر سخافة العقول، بطرس كبير الحواريين باتفاق جميع طوائف النصارى، ورئيس الحواريين وأكثرهم التصاقاً وقرباً من المسيح عليه السلام فينكر معرفته به ثلاث مرات ويتنكر له، ويقولون: إن المسيح قال له قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات فوقع ذلك، فهم يستدلون بذلك على أن المسيح يستطيع أن يعرف أو يعلم ما سيكون أو أخبر بشيء فوقع، ولكن ما هو الذي وقع على فرض أن هذا وقع؟ يقول: لكبير حوارييه وأصحابه قبل أن يصيح الديك تنكرني وتتبرأ مني، فالنتيجة أن هذا لا يصلح أن يكون حوارياً، ولا يصلح أن يكون من المقربين لدى عيسى عليه السلام، بغض النظر عن قضية دعوى الألوهية.

فهذا طعن إذاً في الحواريين؛ لأنه أنكر علاقته به خوفاً من أن يصلب، وقال: لا أعرفه، فهذا ليس من مقامات المدح بل هو في مقام الذم والطعن والتنقص، لكن هؤلاء لا عقول لديهم، إنما القضية عندهم تقليد واتباع، فإذا كانوا بهذه المنزلة وبهذه العقلية وطمعوا فينا، فمعنى ذلك أنهم يتصورون أنه ليس لنا عقول لو آمنا بهذا الكلام الذي لا يقبله عقل.

فلهذا قال لهم زويمر: لا تطمعوا أن تخرجوا المسلمين من الإسلام فتدخلوهم في نور النصرانية فهذه درجة عظيمة لا يستحقها كثير من المسلمين، لكن يكفيكم أن تخرجوهم من دينهم، وأن تجعلوا المسلم بلا دين فإن عمل فلشهواته، وإن جمع المال فلشهواته، وإن رضي فلشهواته، وإن غضب فلشهواته في كل شيء، فيكون مسلماً بالاسم لكنه بلا دين.

فيكفي من المنصرين هذا العمل وهذه المرحلة الأولى التي يراها المنصرون أكثر ما يُعمل، وهي إخراج المسلم من دينه، والمرحلة الثانية: إدخاله في النصرانية، هذه مرحلة لاحقة فيما بعد.

فهم إذن يحقروننا، ولا يرون لنا عقولاً وإلا لما كان سفهاؤهم هؤلاء يطمعون في أن ينصرونا، ولذلك هل طمعوا فينا أيام قوة عقيدتنا وإيماننا؟ والله ما طمعوا بهذا الشكل أبداً.