للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قاعدة تاريخية]

من بديع التحقيق، وهو يدل من ناحية أخرى على تبحره واطلاعه -رحمه الله-: الاطلاع على علم التاريخ والاستدلال به، فعندما يثبت النصارى -وإلى الآن كما تعلمون- ويسمون البابا: الرسول، ويسمون مندوبه: القاصد، ويدَّعون أن أحبارهم رسل، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد بين حال هؤلاء فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:٣٤]، وهذا حال أكثرهم كما رأى ذلك سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه في بعضهم، والمقصود أنهم يقولون: إن الرسل المذكورين في سورة يس، هم من رسل المسيح، وأرسلهم المسيح فيقول شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله: 'لا؛ بل الرسل هؤلاء مرسلون من عند الله ويستدل استدلالاً علميا واضحا بالتاريخ فيقول:- إن الله ذكر بعد ذلك أنه عذبهم وأنه أهلكهم، حتى قال: {إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} [يس:٢٩]، ومعلوم عند الناس أن أهل أنطاكية لم يصبهم ذلك بعد مبعث المسيح لأنهم قد آمنوا به' أي بعد الميلاد لم تدمر أنطاكية.

ثم يعقب بعد ذلك بذكر قاعدة عظيمة جداً في التاريخ قل من يتفطن لها من المؤرخين إلا من كان يربط التاريخ بالعلم والإرث النبوي، يقول: 'ومما يبين ذلك أن المعروف عند أهل العلم أنه بعد نزول التوراةلم يهلك الله مكذبي الأمم بعذاب سماوي يعمهم كما أهلك قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وفرعون وغيرهم، بل أمر المؤمنين بجهاد الكفار' فهذه من قواعد التاريخ التي يجب أن تعلم: أن الله منذ أن أنزل التوراة لم يهلك أمة من الأمم المكذبة برمتها، وإنما فرض الجهاد على أهل هذه الكتب التوراة أو الإنجيل أو القرآن، فهم الذين يجاهدون وليس العذاب من عند الله، وهذا مما يدل عليه قول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى} [القصص:٤٣] فبين الله تعالى أنه أهلك القرون الأولى، ثم أنزل الكتاب، وبعد ذلك لم يهلك قرناً أو أمة بعامة.