للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نماذج من صبر الأنبياء]

أول الرسل نوح عليه السلام: عانى الكرب! ولهذا يقول الله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [الصافات:٧٦] قضَّى ألف سنة إلا خمسين عاماً كلها دعوة، ثم أمره الله عز وجل بعد يأسه من قومه, أن يصنع الفلك {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود:٣٨].

وتلك مرارة عظيمة أشد من الرجم أحياناً، وكانوا يقولون: كان نوح رسولاً، والآن أصبح نجاراً، يقطع الخشب ويأتي بالألواح والدسر، ماذا تريد يا نوح؟! وهذا يسخر، وهذا يضحك قد أحاط به الكرب، وبعد ذلك نجَّاه اللهُ من هذا الكرب.

إبراهيم عليه السلام: جُمع له الحطب الكثير، وأوقدت فيه النار العظيمة، وجيء بالمنجنيق ووضع الخليل فيه، وقذف به، فلما ألقي فيها: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:٦٩].

وصبر إبراهيم عليه السلام على كل ما نزل به، ولم يأتِ الفرج إلا بعد الكرب والشدة، عندما انتهى الأمل في نصر البشر، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف:١١٠].

أي: أن النصر يتنزل على الرسل في أحلك الظروف، وذلك إذا استيئسوا وظنوا أنهم قد كذبوا، وانتهت كل الأسباب المادية، فإبراهيم قد ارتفع في الهواء، وما بقي إلا أن يقع فتحرقه النار، وإذا بها برد وسلام.

وإسماعيل عليه السلام: كذلك أنجى الله إسماعيل من الذبح، قال تعالى:: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات:١٠٣] فقد تله للجبين، وأمرَّ السكين، وبلغ الكرب غايته بالأب والابن، فالأب قد استسلم لما أمره به ربه، وإسماعيل لما عرض عليه أبوه الأمر {فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات:١٠٢] {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَر ُ} [الصافات:١٠٢] فلما صبرا كان لهما هذا الجزاء من الله تبارك وتعالى، مع شدة الكرب فجاء الفرج من الله، وفداه بذبح عظيم.

فلا تكره شدة الكرب أيها الداعية؛ لأن الفرج مع الكرب، بل إذا كنت ما زلت في أول الطريق فاحمد الله واصبر، فإذا اشتدت وجاء الكرب، فسوف يأتي الفرج بإذن الله.

وموسى عليه السلام: بغى فرعون وطغى، وأفسد في الأرض، كما أخبرنا الله تبارك وتعالى عنه في سورة القصص وفي الفجر وفي الأعراف وغيرها، وفعل الأفاعيل العظيمة المنكرة بهذه الطائفة الذين هم بنو إسرائيل، وسلَّط الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على فرعون وقومه الجراد والقمل والضفادع والدم لعلهم يتوبون ويؤمنون، ولكنهم ظلوا في عنادهم وكبرهم.

ثم قال موسى لقومه: إن الله قد أمرنا أن نخرج، فخرجوا ولحقهم فرعون وجنوده، {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:٦١] وكأنهم يقولون: "يا موسى! ليس لنا الآن حيلة، قد أدركَنا جيشُ فرعون الذي أو لم يقهر، ولا حيلة ولا مهرب؛ فالبحر أمامنا وهذا فرعون وجنوده خلفنا! وانتهى كل شيء.

فيأتي الفرج من الله عز وجل مع هذا الكرب الشديد، ومع استحكامه! وعيسى عليه السلام: لما مكر به اليهود وأحاطوا به، وما بقي إلا أن يقتلوه ويعلقوه على الصليب، رفعه الله تبارك وتعالى إليه، وألقى الشبه على الذي نمَّ ودل عليه، فوضع مكانه وصلب!