[موسى عليه السلام يعاتب ربه]
وكذلك قوله ليلة الإسراء يعاتب ربه سبحانه وتعالى: أتبعث هذا الغلام من بعدي، وتجعل أمته أفضل من أمتي.
هذا شيء لا يقوله أحد إلا من كان لديه من القرب من الله عز وجل ما يجعله يقول مثل هذا الكلام ويعاتب ربه ويقول مثلما قال.
يقول: (ومع ذلك فإن ربه تبارك وتعالى يحتمل له ذلك كله، ويحبه ويكرمه ويدلله).
هذه العبارة التي علق عليها الشيخ، وهي بيان أن هذا الإكرام له منزلة خاصة عنده، ولم يصف الله سبحانه وتعالى، أو يجعل من أسماء الله سبحانه وتعالى اسماً زائداً، وإنما هو تعبير.
ويكفي أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى يكرمه ويعطيه ما يريد، ويسارع في هواه، ولا يؤاخذه بهذه الأعمال رغم أنها مخالفة لما كان ينبغي أن يكون، كما وضحنا في حديث محاجته لأبيه آدم لما أن رآه وتقابلا.
الصحيح أنهما تقابلا ولكن أين؟ أولاً: هل نقول إن القصة هذه إخبار عما سيقع، أو نقول وقعت؟ الصحيح أنها وقعت؛ لأن ظاهر اللفظ أنهما تحاجا، فالمحاجة قد وقعت.
والأمر الآخر أنهما التقيا في دار البرزخ، وهذا ليس بغريب؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم في معراجه قابلهما وسلم عليهما، وغيرهما من الأنبياء كيحيى وعيسى وإبراهيم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فهذا لا غرابة فيه، فلما حصل بينهما اللقاء عاتب موسى عليه السلام أباه آدم عليه السلام.
يا موسى! ما مضى مضى، أكل أبوك آدم من الشجرة، وغفر الله تبارك وتعالى له وتاب عليه، ثم جئت من بعده، وأنت الآن في جنة البرزخ، أنت الآن فيها، فما وجه المحاجة والمخاصمة؟ محاجته ومخاصمته كانت في ذات الله عز وجل، هو في عالم الآخرة -أو البرزخ- كما هو في عالم الدنيا، لا يقبل المخالفة أبداً؛ ولهذا قال له: خيبتنا، وأخرجتنا من الجنة، كيف يحصل هذا منك؟ مع أنه قد قضي؛ فكان الرد من الأب على الابن: (يا موسى! أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، وخط لك التوراة بيده، ألست تقرأ فيها أنه كتب علي أن يخرجني منها قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى -ثلاثاً-) حجه: أي: غلبه بالحجة، وهي قوله: كتب الله علي أني أخرج منها قبل أن أدخلها بأربعين سنة، وهذه -والله أعلم- هي الواردة في قوله تبارك وتعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} [الإنسان:١] هذه الأربعين سنة، بين خلقه له وبين نفخ الروح فيه.
نعم الإخراج من الجنة بسبب الذنب له حكمة عظيمة عند الله سبحانه وتعالى؛ حتى يعرف بنو آدم خطر الذنوب والمعاصي وإن هانت أو قلَّت، وأن يعرف الإنسان عدوه الشيطان الرجيم فلا يطيعه أبداً، هذا عدوك الذي أخرجك من الجنة، وأخرج أبويك، {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:٦].
لا يقول الإنسان: هذه معصية صغيرة، وذنب بسيط، أحل الله له كل شجر الجنة إلا شجرة واحدة محرمة، فأكل منها طمعاً في الخلود وتغريراً من الشيطان، لاسيما إذا اقترن بذلك الإيمان المغلظة: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:٢١].
وبعض الناس والعياذ بالله من أجل العافية، والراحة، وطول العمر، تجده يقول لك: هناك ولي -لا يقولون: كاهن- من السادة إذا ذهبت عنده أعطاك بعض الأعشاب فلا يصيبك سرطان ولا مرض وطوّل العمر، ويجعل الشايب يعود شباباً.
ما هي القضية وكيف يصنع؟! يكتب وحرزاً تحفظه، وحاجات تمحوها وتشربها.
هذا سببه حب الخلود، فهو شايب يريد أن يعود شباباً، ويتزوج امرأة شابة، فيقول: والله هذه فرصة، وما هذه إلا خدعة الشيطان اللعين، فأول الأمر يخدعك به، ثم تذهب إليه فتصدقه بما يقول، ثم تكون النتيجة: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) النتيجة: الكفر والعياذ بالله.