للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الدين والحضارة]

السؤال

كيف نرد على من يقول: إن الدين عقبة في التقدم الحضاري والتكنولوجي بالذات، لأن هذا هو الذي نراه من كثير من المسلمين قديماً وحديثاً؟

الجواب

هذا السؤال الإجابة عليه تحتاج إلى أن نستفصل ما هو الدين؟ فإذا قال الإنسان الأوروبي: الدين عقبة في سبيل الحضارة، وإذا قال كذلك الإنسان الهندي: الدين عقبة في سبيل الحضارة، وإذا قال الإنسان البوذي في الصين أو غيره: الدين عقبة في سبيل الحضارة؛ فنقول: نعم.

دينكم عقبة؛ لأنه دين أنتم وضعتموه، قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:٣١] وليس هو الدين الذي أنزله الله تبارك وتعالى.

أما الإسلام فلماذا أنزله الله؟ قال سبحانه: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:١ - ٢] أي ما أُنزل هذا الدين ليشقى أبداً، بل: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه:١٢٣].

إذاً: هذا الدين أنزله الله تبارك وتعالى لسعادتنا، فإذا كان من سعادتنا أننا نتقدم بالتكنولوجيا، فبدلاً من أن نركب الجمال؛ نركب الطائرات فهل يُحرِّم الدين ذلك؟ إن دين الله تعالى الغني غنىً مطلق عنا، الكريم كرماً لا حدود له على الإطلاق، الذي خلق لنا ما في الأرض وأمرنا أن نمشي في مناكبها كما قال: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:١٥] وأحل لنا الطيبات جميعاً، وأمرنا بالتفكر في الكون، وأمرنا أن نتخذ كل وسيلة فيها خيرٌ لنا كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {احرص على ما ينفعك} وندعو ربنا تبارك وتعالى كما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أكثر ما يدعو ربه يقول: اللهم آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.

فالدين يحثنا على العمل الدنيوي، وعلى حسنة الدنيا وخير الدنيا؛ ويريدنا أن نكون قادة للعالم نتحكم فيه بالحق والعدل والهدى الرباني؛ فكيف يكون عقبة في طريق الحضارة والتقدم؟ هذا إذا كانت حضارة حقيقية.

وأما إن كانت الحضارة شيئاً آخر أو كانت حضارة التعري؛ فالإسلام عقبة كبرى في سبيل التعري، وإن كانت الحضارة إدمان المخدرات والتكبر على عباد الله بهذه القوة التكنولوجية؛ فالإسلام يقف ضدها؛ لأنها تؤدي إلى شقاء الإنسان ولا تؤدي إلى سعادته.

أما الله تبارك وتعالى الغني الحميد، فإنه قد شرع لنا ما هو خير لنا في دنيانا وأخرانا، وهو أكرم وأجل وأفضل من أن يشرع لنا ما يضرنا وما يضيق به علينا، وليس للمسلم فقط؛ بل وللكفار الذين يرضون بالطاعة، ويدخلون في طاعة المسلمين، ويدفعون الجزية، يمتعهم الإسلام المتاع الحسن ويقبل منهم الجزية، ويعيشون مطمئنين، ويتعبدون كما يريدون.

فإذا كان ديننا يحقق الحياة الكريمة، لمن لا يؤمن به؛ لأنه خضع ظاهراً للدين؛ فكيف بالمسلم الذي يطبق هذا الدين؟ فهذا يجب أن يكون قائداً للإنسانية، ويجب أن يكون موجهاً للأمم جميعاً، وهذا لا يكون إلا بالتمسك بهدى الله وشرعه.