فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هناك بعض طلبة العلم، ومن الذين لهم القيادة بين الشباب، ولكن المشكلة أن هؤلاء الشباب -أي طلبة العلم- بينهم من البغضاء والشحناء ما يشيب له الرأس، فهل من كلمة توجيهية لنا جميعاً، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
هذه هي الحالقة كما أخبر عنها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{لا تحلق الشعر ولكن تحلق الدين} وهذا هو التحريش الذي رضي به الشيطان، بعد أن يئس أن يعبد في جزيرة العرب وهذه البغضاء تولد قسوة في القلب، وجفوة في التعامل، وربما أورثت صاحبها الخروج عن النهج القويم، بأن يظلم، وأن يفتري، وأن يبغي على من خالفه أو من يرى أنه عدو له.
وهذا من التفرق الذي نهينا عنه، فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم ينفِ أن يقع بين المؤمنين اختلاف أو اقتتال فقال:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}[الحجرات:٩] الاقتتال قد يقع، والاختلاف لا بد أن يقع لكن يُحل ذلك بالتفاهم، يحل بالصلح، يحل بالتناصح، وبترك الغيبة، أما البغي والظلم والعدوان لمجرد المخالفة، فهي مؤلمة وسيئة وشر بين الأمة، فكيف بها بين الشباب وبين طلاب العلم! فأقول لنفسي ولإخواني: إنك لن تعامل من عصى الله تبارك وتعالى فيك بخير من أن تطيع الله تعالى فيه، فإن ذمك بما ليس فيك فاصبر، واصفح واعف، وقل فيه ما تعلم أنه خير، ولا تقابل الإساءة بالإساءة، ولا تقابل الذم بالذم، فإن كان ولا بد فلا تزد ولا تبغ.
وهذه من صفات المؤمنين، ولا سيما الدعاة منهم، فإن الدعاة أرقى من أن ينزلوا إلى مستوى المهاترات، وإلى أن يردوا على كل من رد عليهم، أو يتكلموا فيمن تكلم فيهم، فإن فعلوا ذلك لم يعودوا دعاة، بل شُغِلوا عن الدعوة بهذه الأمور.
فهذه أمور لا شك أنها عظيمة، وأنه:{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[فصلت:٣٥] والذين جعلوا لنفوسهم من الزكاء ومن الرفعة، وكانوا كما وقف عمر رضي الله تعالى عنه لما قال له ذلك الأعرابي: 'إنك لا تعدل بين الرعية، ولا تقسم بالسوية، فهمَّ به فقال له الشاب التقي الحر بن قيس -رضي الله تعالى عنه-: يا أمير المؤمنين: إن الله تبارك وتعالى يقول: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}[الأعراف:١٩٩] فوقف عمر رضي الله تعالى عنه' فهكذا يكون الصفح والعفو والإحسان حتى إلى من أساء إليك، خاصةً إذا كان يعلم شيئاً مما أنزل الله ويعلم شيئاً من حدود الله، فاعلم أنه سيؤدي به هذا الأمر إلى أن يندم ويتأسف، ويحبك عندما يرى أنه يرد عليك ولا ترد عليه، ويهاجمك ولا تهاجمه، ويتكلم فيك ولا تتكلم فيه، فلا بد أن يرجع إن كان في قلبه إخلاص لله تبارك وتعالى.
وأما من لم يكن كذلك فاعلم أنه لا بد في كل زمان من حثالة تقف في وجوه الدعاة، وتبث الفرقة بين الشباب، من أهل الخير، فهذه الحثالة لا دواء ولا حيلة معها أبداً، كما قال الشاعر:
لي حيلة في من ينمّ وليس لي في الكذاب حيلة
من كان يخلق ما يقول فحيلتي فيه قليلة
فالنمام قد تقفل أذنيك عنه وتتركه، لكن الكذاب الذي يختلق أي شيء، فلا حيلة فيه إلا أن تصبر وتحتسب ذلك عند الله، فإذا علمنا أنه لا بد أن يظل هناك فئة شأنها القطع والتشهير والتضليل والتبديع لأهل الحق ولأهل الهدى ومهاجمتهم بالباطل، فلا بد أن نحتمل وأن نغض الطرف عنه، وكأنه لم يكن، فأرجو أن يكون في الشباب الصالحين من الأخلاق الرفيعة السامية العالية ما يجعلهم يترفعون عن البغضاء وعن الشحناء فيما بينهم، أو سماع من يثير هذه الشحناء والبغضاء في ما بين شباب الدعوة والخير والهدى.